قراءه في رواية مريود. للكاتب الطيب صالح….بقلم سيد كريم عذاب الزاملي.

الطيب محمد صالح (12 يوليو 1929 – 18 فبراير 2009) كاتب وروائي وصحفي سوداني من أشهر أدباء القرن العشرين في العالم العربي. وُلد في قرية كَرْمَكول (إقليم مروي شمال السودان)، درس في جامعة الخرطوم ثم في لندن، وعمل في الإذاعة (BBC) فطالما سمعة المستمع والقارىء العربي والمسلم بصوته الرخيم وفصاحة جمله وعمل ايضا في اليونسكو ومؤسسات إعلامية وثقافية أخرى. بلغت شهرته ذروتها برواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، التي اعتُبرت علامة في الرواية العربية الحديثة. .
«مريود» عمل سردي لطيّب صالح يشتغل على عناصر الريف السوداني، الذاكرة، الصوتيات المحلية والمحكية، والبعد الروحي/الميثولوجي في الحياة القروية. تُروى أحداثه بلغة قريبة من الفصحى المشبعة بتوابع اللهجة المحلية، ويعتمد الطيب غالبًا على بناء دائري وسردٍ متداخل بين الراوي وشخصيات أهل القرية. توجد طبقات من الرمزية والرموز التراثية في الرواية، إضافة إلى حضور قوي للزمن والمكان باعتبارهما شخصية فاعلة. (نُقِرت دراسات ومراجعات حول لغة وبنية «مريود»).
الهوية والانتماء: الرواية، مثل أعمال صالح الأخرى، تعالج التوتر بين المحلي والعالمي، بين التقليد والحداثة، لكن بطريقة أقل انشغالًا بالاستغراق وبقدر ما هي قراءة للحياة الريفية وتداعيات الزمن عليها.
الذاكرة والحنين: تستثمر «مريود» الذاكرة كشكل سردي يسمح بتداخل الأزمنة، ويحوّل السرد إلى بوتقه امتزج فيها الحال والمقال بين الماضي والحاضر.فبدات ابيات الشاعر
ابي نؤاس.التي استفتح بها الرواية .إشارة واضحة الدلالة.ارتباط الشاعر با الماضي وهذا ما صرح به الكاتب نفسه في إحدى اللقاءات التلفزيونية.حيث يصف تلك البيئة.انها اقرب إلى بيئات الصحابة من التوحد والتراحم والطيبة الغالبة على سكانها.
فالكاتب وان عانى الاغتراب إلا أنه كان قريب من بيته في شمال السودان.لم تغيره المدنية والحداثة عن أصوله العربية والإسلامية.حتى اسماء وعناوين رواياته كانت تحمل
القدر والميثوس المحلي: تظهر عناوين ومقاطع تحمل طابعًا أسطوريًا/شعائريًا؛ فالشخصيات والأسماء (مثل: مريود) تحمل دلالات أعمق من كونها مجرد أسماء. فهي وليده رواية بندر شاه
فبقيت علقة الدم تربطهما معها
وان انقطع الحبل السري منها.اتسمت اغلب رواياته
ببنية دائرية وانسيابية: الطيب صالح معروف بالبُنى الدائرية التي تعيد شخصيات أو إشارات عبر النص لتوليد إحساس بالتماسك العضوي. في «مريود» هذا الأسلوب يساعد على خلق انسياب سردي يمزج الحكاية الفردية ببنية المجتمع.
الصوت السردي واللهجة: يستخدم صالح مزيجًا من الفصحى والوصف المحلي واللهجة الحوارية — مما يقوّي إحساس القرب من المكان ويجعل النص حيويًا لكنه قد يفرض على القارئ غير المتعوّد على اللهجة حاجزًا أوليًا (لاحظها قرّاء ونقاد).
شخصيات «مريود» لا تعمل فقط كسواقط للحبكات بل كرموز: بعضها يمثل أرواح الأرض/التاريخ، وبعضها يرمز لصراع داخلي/مجتمعي. الطيب يميل إلى جعل الشخصية متسامية بوجودها الرمزي، ما يمنح الرواية بعدًا تأويليًا يتجاوز الحكاية المحلية البسيطة.
غنى لغوي وصور مكثفة: عبَر الطيب في «مريود» عن حسّ وصفٍ شاعري من خلال تراص الصور والاستعارات المستمدة من البيئة النهرية والريفية (العيون، الانف، الحسّ…)، ما يعطي النص لونًا موسيقيًّا.
القراءة الحديثة ترى في «مريود» عملاً صغيرًا نسبيًا مقارنةً بـ«موسم الهجرة» لكنه مهم لتتبع جوانب تيسّر الأسلوب الصالح: اللازمانية، اللامكانية، المزج بين الواقعي والرمزي. بعض القرّاء اعتبروا العمل «متوسطًا» مقارنة بكبرى رواياته، وآخرون أثنوا على بُعده التأملي واللغوي.
«مريود» ليست الرواية الأشهر له (ذلك شرف محفوظ لـ«موسم الهجرة إلى الشمال») لكنّها تُكمل جسْم إنتاجه الأدبي: تكشف عن ممارساته السردية (البناء الدائري، المزج اللهجي/الفصيح، الرمزية) في سياق قرويّ أصغر حجماً وأكثر انغلاقًا على ذاته. النقاد درسوا الرواية باعتبارها نصًا يفتح نافذة على اللغة الخفيّة في سرد الطيب.
أهم أعمال الطيب صالح
موسم الهجرة إلى الشمال (Season of Migration to the North) — عمله الأشهر، معالجة للصدام الحضاري والاستعمار والهوية.
عرس الزين / زواج زين (The Wedding of Zein) — مجموعة قصصية/رواية قصيرة تُظهر حياة القرية وبراعة التربيع في السرد الشعبي.
بندر شاه (Bander Shah)
توفي الأديب السوداني الطيب صالح يوم الأربعاء 18 شباط/فبراير 2009 في العاصمة البريطانية لندن، عن عمر ناهز 80 عامًا.والى قلم جديد من اقلام وطننا العربي الكبير وعالمنا الاسلامي
المشرق كتب في فضاء الحرية.









