رجل في الغياب … هيثم الأمين / تونس

عندما تغيبين، أصير رجلا سيّئ الطّباعِ.
أصير رجلا شائكا يؤذي ألعاب الأطفال:
فقّاعات الصّابون التي يطلقونها في الهواء،
بالوناتهم،
دُماهم المبتسمة كأنّ هذا العالم لا يعنيها
وقد أؤذي حتّى أصابعهم الصّغيرة
ثمّ أقهقه كمسطول اكتشف للتّوِّ أنّ رأسهُ مزدحمة بالفضائيّين!
وكأيّ رجل سيّئ الطّباعِ
أجلس في أقصى بقعة من وحدتي،
أطفئ العالم من حولي ليتسلّل إلى داخلي،
دون خوف،
كلّ القتلى والأمطار الحمضيّة والحيوانات المهدّدة بالانقراض
ثمّ أدخّن كثيرا جدّا
لأصنع من دخان سجائري:
أرصفة قد تصلحُ لصدفة لقاء بيننا،
نوافذ قد يحالفها الحظّ فتطلّ على نافذتك البعيدةِ
ومشانق كانتْ
– في روايتك –
حبال غسيل تعرف كلّ مقاسات أنوثتك…
ثم أبكي كطفل لم يجد قطّته الصّغيرة في كلّ المدينة.
عندما تغيبين،
أشتم كلّ الوجوه التي تزورني في مرآتي
وتحدّق بي!
وكرجل سيّئ الطّباع
أمشي عاريا في ذاكرتي،
أغنّي، بأعلى صوتي، أغنيات حزينة
وأعوي كريح غاضبةٍ…
غيابك مطر حمضيّ
يجعل هذا الانتظار، داخلي، صحراء شاسعة من ملح
ويجعل الوقت جليدا يحاصرني.
عندما تغيبين،
يصير كلّ روّاد المقاهي من سلالة ظلّ حزين،
يصير الأطفال فخاخا للعصافير،
تصير أشجار الأرصفة
كلابا ودركا
يطاردونني
وأصير رجلا سيّئ الطّباع أكثرْ…
أصير محطّة قطارات مهجورة في طرف المدينة؛
محطّة يأوي إليها المتشرّدون حين يطاردهم اللّيل في الشّوارعْ
وهناك
يدخّنون كثيرا،
يسعلون أكثر ويبصقونْ…
هناك
يشربون كحولا رخيصة
ويتبوّلون على الجدرانْ…
وحين يسكرون
يُخرجون ألسنتهم الثّقيلة
فيتبادلون الشتائم البذيئة جدّا
ويتقاتلون
ثمّ يحتضنون مآسيهم كما يحتضنون حبيباتهم
وينتظرون أن ينقذهم النّوم/ الموت.
قد يحدث، أيضا
– عندما تغيبين –
أن أصير هوّة سحيقة في الفراغِ
لا غيرْ…
فلا ترتكبي الغياب، ياتفّاحتي
حتّى لا يُضرم كلّ هذه الحرائق في حضارتي
ذلك الرّجل السّيّئ الطّباع.









