تاريخ العرب

زامورا.. مدينة أندلسية حكمها العرب 300 سنة درة مدن الثغور وشهدت غزوة الخندق

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

احتفظت المصادر العربية الإسلامية التاريخية والجغرافية بعدة مسميات لتلك المدينة فهي [سمورة/ سمرة/ صمورة)، فيما نطقها الإسبان (زامورا].
أتم الفاتحون العرب فتح المدينة الأندلسية عام 95هـ/ 714م على يد الفاتحين العظيمين موسى بن نصير وطارق بن زياد، ومع ذلك بقيت المدينة تحت مسمى مدن الثغور أو التخوم، أي بقيت ضمن المناطق الحدودية التي تناوب العرب والإسبان السيطرة عليهم، حتى سقطت في آخر المطاف فيد القشتاليين الإسبان عام 395هـ/1004م.
وفي موسوعته [الروض المعطارفي خبر الأقطار]، وصفها محمد بن عبد المنعم الحميري[ت 900هـ/ 1495م] بأنها مدينة جليلة، محدثة أي بناها العرب وليست قديمة من عمل القوط، وعليها سبعة أسوار من عظيم البنيان، وبين الأسوار جداول مياه وخنادق، وبعد سقوطها من يد العرب أصبحت قاعدة من قواعد الروم.
وبجوار المدينة يجري نهر دويرة (Duero)، وهو من أعظم الأنهار التى تحري بين إسبانيا والبرتغال، ورغم أن المدينة تتبع إسبانيا حاليا، لكن خلال العصر الإسلامي كانت تتبع مدن البرتغال، إذ تقع المدينة في شمال شرق البرتغال، على الضفة الشمالية لنهر دويره، وبينها وبين البحر ستون ميلا.
ورغم أن المدينة تتبع إسبانيا حاليا، فقد عدها الجغرافيون المسلمون ضمن أرض البرتغال، وعلى رأس هؤلاء الشريف الإدريسي [560 هجرية] مثلها في ذلك مثل آبلة وسلمنقة وقلمرية. لوقوعها على ضفافا عدة نهيرات صغيرة بخلاف نهر دويرة، فقد تميزت سمورة بخصوبة أراضيها، وقد تحدث الإدريسي عن ذلك فقال: [ ولها خصب كثير وكروم، ولأهلها أموال وتجارات ].
وتميزت المدينة بآثارها القديمة، وفي القلب منها القنطرة الرومانية بعقودها الفريدة، وقد كان للمسلمين يد كبرى في إصلاحها وترميمها خلال فترة حكمهم للمدينة.
ولا يزال متحف المدينة يحتفظ ببعض الكنوز الأندلسية الثمينة، منها قطع فاخرة من السجاجيد، وصندوقين أندلسيين من العاج ذكرهما الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه الرائع عن الآثار الإسلامية الباقية في إسبانيا والبرتغال ضمن موسوعته [دولة الإسلام في الأندلس].
أما الصندوق الأول فطوله 18 سم وعرضها 10.5 سم ومُزين بصور طيور وغزلان، ويعود للسيدة صبح البشكنجية زوج الخليفة الأموي الحكم المستنصر الذي حكم الأندلس بين عامي [350-366هجرية/ 961-976 ميلادية]، ونقش علبه بالخط الكوفي الجميل [ بركة من الله للإمام عبد الله الحكم المستنصر أمير المؤمنين منا أمر بعمله للسيدة أم عبد الرحمن على يد دري الصغير سنة ثلث وخمسين وثلث مائة ].
وبالنسبة للصندوق الآخر، فكبير الحجم من الخشب المُطعم بالعاج طوله 3.15 أمتار وعرضه متران وارتفاعه 2.35 متر، ونقش عليه نقوش عربية متقطعة تفيض بالدعاء لصاحب الصندوق، حيث نجد هذ النقوش :”.. وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.. خير حافظا ، وهو العزة الدايمة والنعمة الكاملة والغبطة المتصلة والسعادة، واليمن والتأييد والنصر والتسديد والعز لصاحبه”.
وفي سمورة تلقى العرب خسارة كبيرة من الإسبان، بقي صداها طويلا في كتب التاريخ، حيث دارت موقعة “الخندق” أو ما عُرفت في التاريخ الأندلسي بـ«غزوة الخندق»، وهي معركة وقعت في أغسطس 939م/ شوال 327هـ في المنطقة الحدودية بين حدود مملكة ليون والدولة الأموية في الأندلس، وتحديدًا الواقعة في منطقة قشتالة وليون التابعة لمملكة ليون. ودارت المعركة بين قوات خليفة الأندلس عبد الرحمن الناصر من جهة، وقوات راميرو الثاني ملك ليون من جهة أخرى، وانتهت بانتصار مملكة ليون.
كانت خسائر المسلمين البشرية في تلك المعركة كبيرة تراوحت في بعض التقديرات بين 40,000 رجل، من بينهم قائد جيش المسلمين نفسه نجدة بن حسين الصقلبي، كما أُسر القائد محمد بن هاشم التجيبي والي سرقسطة في تلك الفترة، وظلّ في الأسر لأكثر من عامين حتى افتداه عبد الرحمن الناصر بالمال.
كان لتلك المعركة أثرٌ كبيرٌ في نفوس المسلمين، وفي نفس عبد الرحمن الناصر الذي لم يخرج في أي غزوة بعدها.
وبعد هذه الموقعة توالى العرب والإسبان السيطرة على المدينة، وقد وجه إليها الحاجب المنصور بن أبي عامر [371هــ -392هـ/981ـ 1002م] عدة غزوات فهدم أسوارها وسيطر عليها وأسكنها للمسلمين، ومع انهيار الحجابة العامرية ومعها الخلافة الأموية في الأندلس، سيطر الإسبان على مدينة سمورة، وخرجت نهائيا من يد المسلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock