كتاب وشعراء

*سطور في سراديب أهل السّماء…..بقلم روضة بوسليمي / تونس

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

*سطور في سراديب أهل السّماء
يسكنها شعور تدركه للمرّة الأولى خلال حياتها الطّويلة العريضة ،الخاوية على عروشها …أدركت يقينا أنّها تحبّه بقدر إحساسها بأنّ الأمر واقع تبصره بأمّ عيني قلبها..بقدر ندرة معدنه وفرادته الأسطوريّة في مشوار يعجّ بؤسا …
تحبّه وتحبّ حالاته الملائكيّة ، تحبّه وتحبّ رجولته …تحبّه وتحبّ هالة تقديره لها…تحبّه بكلّ بساطة العالم الذي لم تدنّسه الخطايا…تعشق هذا الهدوء الرّصين الذي يخفي بين جنبيه عواصف غير العواصف …تعود تباعا لتتوقّف عند هالة هدوء ما سبق لها أن استحوذت على حواسّها الخمس … هو مزيج بين رجولة نادرة وملائكيّة ناعمة .
تحبّه وقد ملأ عينيها كما لم يملأها رجل من قبل … تعشق كلّ أنفاسه…يتنفّسها …يلتقط اللّحظة هامسا : ” رويدا ،رويدا …حبيبتي .. سيقتلني الشّوق يا ….” ترمقه في هدوء ، …يطول صمتهما الصّاخب ..: تهمس لقلبه كي لا ينسى اعترافها لروحه بالاكتفاء به:
” أمّا أنا فأقسم ثلاثا بأنّي قُتلت فيك ولهًا وأمسى أمرنا عظيما …وأقسم قسما غليظا أنّ القلب غادر سجنه ملوّحا لروح تتبعه راضية مرضيّة ..فلتعلم يا قاتلي بأنّك نفخت في أنوثتي والطّين وأثرت ما فيهما من لهفة وشغب وشغف …وإن بدوت لك قويّة فأنا فيك أضعف من الضّعف ذاته ..”
يبتسم ابتسامة رجل لطالما طوّحت به تقلّبات مزاج الحياة :
–وأجمل ما فيك قوّة ضعفك وأنت ترفعين سارية الانتصار على قلعتي .
يهمس لها وهو يمسح على شعرها ..ويرفع خصلاتها عن وجهها ويقول :”
ماذا لو حوّلت أنفاسنا إلى سطور في سراديب أهل السّماء؟!… ” أذهلها هذا العنوان المدهش الذي يعكس كم هما من أهل السّماء!!! وكم هرب حبيبها من دمه ..! حبيبا حباه الله بفصاحة خاصّة لم يؤتها غيره…
يا الله …كم عظيم هذا العوض ..!! عوض يليق بفداحة وجع كتم أنفاسهما والنّبض…فأتاهما ربّهما ملكا لم يؤته لغيرهما من قبل وجعلهما أغنياء به وببعضهما…كم سخيّ ذا الجبر ..!! جبر فتح أمامهما دربا آخر بلا تعثّرات …بل دروبا غير الدّروب..
تهمس له .. يهمس لها : ” أحبّك فوق ما تخيّلته حتّى لكأنّ الحياة انقلبت رأسا على عقب فأمسيت مشدودا إليك لكأنّكِ تسحبين بساط الحياة من تحت قدميّ …أحبّك ..أحبّك حتّى لكأنّ جسدي يشفّ فلا يكون ،حبيبتي أراك ترفعينني فوق بشريّتي ، تجعلين منّي ملاكا …. يصمت وتواصل عيناه البوح : ” ما زلت أشعر بالفقد أشعر بالوحشة ..أشعر بالتّهديد …أنا حبيب وثق بك يدعو روحكِ إلى أن نحلّق معا بعيدا ومع ذلك مازال الخوف ينال منّي ومازلت أفزع من احتمال أن تُخطفي منّي أو أن تلتقي من يوفّر لك راحة ورغد العيش ..يرعبني احتمال سفرك إلى حيث تلهو بنا المسافات أكثر وتزداد الحواجز …” يأخذ نفسا عميقا فتتسلّل زفراته إلى صدرها ومعها حيرة تزيد من توجّسها … يطمئنها ” الآن وقد همت بك وتغيّرت حالي وأحلم أن أعيشك بكلّ ما أوتيت من لهفة ”
يصحبها إلى بيته …ترافقة أينما كان …تشاركه تفاصيل يومه …
يتلهى بقمصانه يحصيها ،الأبيض ،الأسود ،الرّمادي :” أحبّ هذا اللّون وهذه الدّرجة الهادئة تحديدا “، السّكري اللّبني : ” هذا القميص الأصفر اخترته ليشهد أوّل لقاء مرتقب بيننا” . يقول ذلك بصوت مرتعش يفضح حماسة طفل يرقب صبيحة العيد … وبلهفة بريئة براءة عاشق تحيك له السّماء مفاجأة ليست كأيّ مفاجأة !!! يمرّ على أحذيتة داكنة اللّون …تبتسم في سرّها وقد وجدت نقطة تشابه أخرى تجمع بينهما …يعرض بدله ذات الألوان الباردة .. ” هذه سبق أن لبستها كثيرا. ..هذه خاصة بأيّام القرّ وإن كانت قليلة …هذه جديدة مازالت تنتظر دورها ” ينهي كلامه بأنّه يحلم بأن تشاركه اختياره وتنسيق ملابسه فالمظهر الأنيق مطلوب في عمله اين يتواصل كثيرا مع الزّبائن مباشرة :” هذه قاعة الجلوس فأرجو أن لا تسوءك بعض الفوضى فالعمل يأخذ أغلب يومي فأعود منهكا ..” يسحرها حديثه سريعا فتتبّع ضحكته كما يتتبّع حريص أمرا غاية في الأهميّة وهو يخبرها بأنّه لا سلطان له على قلبه وأنّه بلغ سدرة الاكتفاء بها
….يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock