تاريخ العرب

ملكة أوروبا تخاطب الخليفة العباسي بـ”ملك ملوك الأرض” و”سيدي الملك”، رسالة الملكة بيرتا ملكة الفرنجة وثيقة تاريخية تثبت عظمة العباسيين

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

كتب: تامر الزغاري
في عام 906 م أرسلت الملكة بيرتا ملكة الفرنجة في أوروبا رسالة إلى الخليفة العباسي علي المكتفي، ونجد في رسالتها مخاطبة الخليفة بصيغة “سيدي الملك” وإقرارها بعظمته وبأنه “ملك ملوك الأرض”، ورغم أنها مسيحية الديانة ولكن نجد أنها إلتزامت بالبروتوكولات العباسية بأن تبدأ الرسائل الموجهة للخليفة بالبسملة، وغير ذلك من العبارات الدالة على مدى عظمة الدولة العباسية.
وأما الملكة بيرتا فهي ابنة الملك لوثر الثاني -الأوتاري- بن الإمبراطور لوثر الأول بن الإمبراطور لويس الورع بن الإمبراطور شارلمان، وقد كانت ملكة على 24 مملكة بحكم الوراثة والزيجات والوصاية، وكانت ممالكها أغلبها في إيطاليا وألمانيا وفرنسا، وكانت في صراع دائم مع الملوك المنافسين والبابا، فمنذ ولادتها قام بابا الكنيسة الكاثوليكية بإصدار وثيقة ضدها وإعتبارها إبنة غير شرعية لأنها مولودة من الزوجة الثانية لأبيها ومن المعلوم أن الديانة المسيحية تحرم تعدد الزوجات، فعلى الرغم من أنها كانت مسيحية في العلن، بقي الجميع يشكك في ديانتها.
وأما الرسالة فهي:
((( بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله بسلطانه أيها الملك، الجيد العهد، القوي السلطان من كل أعدائك. وثبَّت لك ملكَك، وأدام سلامتَك، في بدنك ونفسك منذ الآن وإلى الأبد. أنا برتا بنت الأوتاري، الملكة على جميع الفرنجيين، أقرأُ يا سيدي الملك عليك السلام. إنه جرتْ بيني وبين ملك أفريقية (تقصد والي ولاية الأغالبة في أفريقية التابعة للدولة العباسية) صداقةٌ لأني لم أكن أتوهم أن ملكاً يكون فوقُه، يملك الأرض إلى هذه الغاية.
إن مراكبي كانت خرجتْ فأخذتُ مراكب ملك أفريقية، وكان رئيسها خادماً له، يقال له “عليّ”، فأسرْتُه و150 رجلاً كانوا معه في 3 مراكب، وبقوا في مُلكي 7 سنين.
ووجدته عاقلاً فهماً، فأعلمني أنكَ ملكٌ على جميع الملوك، وعرَّفني (عليّ) أن بينكَ وبين ملك الروم المقيم بالقسطنطينية صداقةٌ، وأنا أوسعُ منه سلطاناً وأكثر جنوداً، لأن سلطاني على أربع وعشرين مملكةً، كل مملكةٍ لسانها مخالفٌ للسان المملكة التي تليها، وفي مملكتي روميةُ العظمى (روما) والحمد لله.
وكان قد صار إلى مملكتي خلقٌ كثيرٌ، فلم يصدقْني منهم عنك إلا هذا الخادم الذي يحمل إليك كتابي هذا. وقد بعثتُ معه هدايا مما في بلدي، وجعلتها تكرمةً لك، واستجلاباً لمودتك.
وأنا أسأل الله العونَ على مصادقتك والصلحَ بيننا ما أحببتَ من السنين، فإن الأمرَ في ذلك إليك، والصلح شيءٌ لم يطلبه أحدٌ من أهل بيتي ولا قراباتي ولا جنسي قط. ولم يكن أحدٌ يخبرني عن جيوشك وكراماتِك التي أنت فيها على ما أخبرني به الآن هذا الخادم الذي أرسلتُ به إليك. فعليكَ يا سيدي في محبة الله أكثرُ السلام.
وأكتبُ إليك بصحتك وفي حوائجك في مملكتي وبلدي مع “عليّ” هذا الخادم، ولا تحبسه قِبَلك ليجيبني عنك، فإني متوقةٌ لموافاته. وقد حمّلته سراً يقوله لك إذا رأى وجهكَ وسمع كلامكَ، ليكون هذا السرُّ بيننا، لا أن يقفَ عليه أحدٌ غيرك وغيري وغير هذا الخادم. وعليك أكثرُ سلام الله وعلى جميع من معك، وكبتَ اللهُ عدوَّك وجعله وطءَ قدمِك. والسلام))).
** ووردت الرسالة في مصادر عربية وأوروبية منها:
1- كتاب “الذخائر والتحف”: القاضي الرشيد بن الزبير
2- The Muslims of Medieval Italy: Alex Metcalfe
3- سيرة المكتفي بالله: الوزير عبد الله محمد بن أبي طاهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock