تقارير وتحقيقات

اليمن “غير السعيد” .. بين أزمة “خليجية”، و”كماشة” إماراتية، ومزامير “الصهيو-إبراهيمية”

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

كتب:هاني الكنيسي
يوم السبت الماضي الموافق 6 ديسمبر، نشر “المجلس الانتقالي الجنوبي” (المدعوم من الإمارات) بيانا على موقعه الإلكتروني يرحّب فيه رئيسه ‘عيدروس الزبيدي’ بما أسماه “الانتصارات والمكتسبات” التي تحققت في محافظتي حضرموت (التي تشكل ثلث مساحة اليمن وتستأثر بأكبر احتياطيات نفطه) والمهرة. وهو البيان الذي أعقب سيطرة قوات المجلس “عسكريًا” على المحافظتين الاستراتيجيتين، وانسحاب قوات الحكومة المعترف بها دوليا (والمدعومة سعوديًا) من المواقع العسكرية، ومن القصر الرئاسي ومطار عدن، بدون مقاومة.
تلاحقت الأحداث سراعًا، مع مغادرة العديد من وزراء “مجلس القيادة الرئاسي” اليمن، واتهم رئيسه رشاد العليمي نائبه الزبيدي بتقويض شرعية الحكومة ووصف ما حدث بأنه “انقلاب”، ثم اجتمع -في الرياض- مع دبلوماسيين من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بينما استولت قوات الانتقالي على أكبر شركة نفط يمنية “بترومسيلة”.
وفي اليوم التالي (الأحد 7 ديسمبر)، بدأ أنصار المجلس الانتقالي اعتصاماً مفتوحاً، وخرجت مظاهرات شعبية واسعة في محافظتي عدن وحضرموت، للمطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله وإحياء “الدولة الجنوبية”.
وبين أصداء توتر “غير مكتوم” في الكواليس الدبلوماسية بين أبوظبي والرياض بسبب التطورات اليمنية، وصل وفد أمني سعودي -برئاسة اللواء محمد القحطاني- إلى حضرموت اليوم، وأكد خلال لقاء مع مجموعة من قبائل المحافظة أن “موقف المملكة ثابت في الدفع نحو التهدئة ووقف الصراع، بالتنسيق مع الإمارات”. مشيرًا إلى دعم “قوات درع الوطن لتولي مسؤولية المعسكرات في حضرموت والمهرة”، ومطالبًا بخروج قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من المحافظتين.
إلا أن الرد لم يتأخر من جانب رئيس المجلس (الانفصالي) عيدروس الزبيدي، الذي نقلت عنه ‘سكاي نيوز’ العربية (الإماراتية) تصريحات متعاقبة -في شكل عواجل صفراء- بأن ما حققته قوات المجلس يضمن “استتباب الأمن والاستقرار في الجنوب”، ويمهّد لتحرير البيضاء وغيرها من محافظات اليمن، وصولًا إلى صنعاء “التي سنحررها سلما أو حربا”.
وليس بعيدا عن مسرح هذه المباراة “الخليجية”، يطل من خلف الستار لاعب آخر يجيد تحريك الخيوط في شتى بقاع المنطقة المنكوبة، ويعبث -سرًا وعلانية- في تفاصيل المشهد اليمني المختنق بتعقيداته الأمنية والسياسية وبأزماته الاقتصادية والإنسانية.
واللبيب يفهم من إشارة وزير الحرب الإسرائيلي ‘يسرائيل كاتس’ -أثناء تجمع احتفالي يهودي قبل أيام من أحداث حضرموت- للتغييرات القادمة في اليمن “الذي لن يكون كما كان”، علي حد تعبيره في مقطع الفيديو المتداول على السوشيال ميديا.
وربما تتضح الصورة أكثر، من تعليق الخبير الإسرائيلي ‘آفي أفيدان’ (Avi Avidan) على “النجاحات العسكرية” التي أحرزتها الفصائل المدعومة إماراتياً في وادي حضرموت، والتي يربط فيها بين التحركات الميدانية الأخيرة في جنوب اليمن واستراتيجية إماراتية إسرائيلية أوسع، يصفها باستراتيجية “الكماشة العبقرية” التي تهدف إلى السيطرة على الموارد النفطية والممرات البحربة الحيوية من جهة، وبناء “حصن علماني” يواجه النفوذ الإيراني (المد الشيعي العقائدي) في خليج عدن والبحر الأحمر، من جهة أخرى.
ووفقا لأفيدان (الذي يعرّف نفسه على حسابه الشخصي في منصة X بأنه “يهودي أصيل فخور بصهيونيته Proud Zionist Israeli Indigenous Jew”، تقوم “الكماشة الإماراتية” على عدم الغرق في المستنقع اليمني “كما سقط غيرها”، عبر العمل على محورين متوازيين:
– نفوذ بري بحري يبدأ من سقطرى وعدن ويتمدد إلى حضرموت (الغنية بالنفط)، بهدف السيطرة على 30٪ من مسارات التجارة البحرية الدولية.
– دعم إسرائيلي يضغط عسكريا على الحوثيين في الشمال، يجاريه تمويل الإمارات ل 120 ألف مقاتل في قوات “المجلس الانتقالي” في الجنوب.
وفيما يزعم ‘أفيدان’ أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ‘عيدروس الزبيدي’ تعهد بالانضمام إلي الاتفاقيات الإبراهيمية، نجده يشيد بتحركات التحالف الإماراتي الإسرائيلي “على الأرض” في اليمن، وليبيا، والسودان، والصومال، “لرسم خريطة شرق أوسط جديد بهوية تطبيعية”.
والحقيقة أن قراءة الصهيوني ‘أفيدان’ للمشهد اليمني تتقاطع مع محللين أمريكيين تحدثوا صراحةً -عبر منصة Connecting the Dots (مقرها تكساس)- عن دور صهر ترمب اليهودي ‘جاريد كوشنر’ في “هندسة التوتر السعودي الإماراتي في حضرموت”، تماهيًا مع رغبة الرئيس الأمريكي في التخفف من أعباء الأمن الإقليمي في البحر الأحمر والقرن لأفريقي، وهو ما يتيح للإمارات “اللعب بحرية في هذه المنطقة الاستراتيجية من منطلق علاقتها الخاصة مع إسرائيل الضامنة لحماية المصالح الأمريكية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock