رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب :الانتقالي… حين يصبح المتمرد جزءاً من الشرعية ويطالب العالم بمعاقبة نفسه

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

في اليمن، لا تحتاج إلى قراءة القانون الدولي بقدر ما تحتاج إلى كوب شاي عدني وجرعة من المنطق الشعبي لفهم معادلة الحكم:
من كان “متمردًا” بالأمس أصبح “رجل دولة” اليوم، ومن كان “رجل دولة” صار بلا دولة، أما الشرعية فصارت تشبه مشروب “كوكتيل”؛ طعمه جيد… لكن لا أحد يعرف ما الذي تمت إضافته في الخلاط!
شفرة الدهشة اليمنية
المجلس الانتقالي لم يعد متمردًا، ببساطة لأنه أصبح نصف الشرعية، والحكومة تحولت إلى ربع سلطة، والدولة بقيت فكرة رومانسية محفوظة في أرشيف الأمم المتحدة.
فهل يجوز – منطقياً – أن تطلب الشرعية من مجلس الأمن معاقبة أحد أعضائها؟
هذا يشبه شخصًا يقف أمام القاضي ويقول بثقة:
“أرجوك… احبسني!”
ثم يصفق لنفسه بعد الحكم.
القانون الدولي في المطب اليمني
القانون يقول:
الشرعية لا تعني الحصانة من العقوبات.
لكن الفهم السياسي اليمني يعتقد أن مجرد وجود قيادي في معاشيق يعني أنه أصبح المشرّع الدولي الأول.
والأطرف أن هناك من يطالب الأمم المتحدة بفرض عقوبات على الانتقالي لأنه استعاد السيطرة على محافظات جنوبية.
لكن من سيبلغ مجلس الأمن بذلك؟
عضو الانتقالي في مجلس القيادة نفسه؟
سيصبح أول تقرير دولي يبدأ بـ:
“نرجو معاقبتنا فوراً لأننا نخالف أنفسنا.”
إنها “عقوبات زومبية” تعود لتعضّ صاحبها!
العسكر… جيش كل محافظة دولة
عسكريًا، المشهد فيلم أكشن منخفض التكلفة:
جيش الشرعية بلا مركز قيادة.
جيش الانتقالي بلا دولة.
التحالف يمتلك الطيران.
الحوثي يمتلك الوقت والصبر الإيراني.
السيطرة على حضرموت والمهرة تمت كما يفتتح مستثمر متجرًا جديدًا، لا كعملية عسكرية لدولة موحدة.
صار لكل جبهة وزارتها، شعارها، ونشيدها الوطني… أحيانًا.
الاقتصاد… عقوبات؟ البلد أصلًا تحت عقوبة جماعية
من يظن أن العقوبات ستؤثر على الانتقالي لم يفهم الاقتصاد الجنوبي المؤسس على فلسفة:
“بيع الميناء… واشترِ وطنًا!”
الموانئ أغلى من الوزارات، الجبايات أهم من الضرائب، والتحالف أقوى من البنك المركزي.
راتب موظف صغير في الشرعية أعلى من ميزانية مدرسة كاملة.
فهل ستخيفه عقوبات؟ أم أن الشعب أصلاً يعيش تحت عقوبة اقتصادية عمرها عشر سنوات؟
الأمن… الطقس السياسي
الأمن في الجنوب يشبه حالة الطقس:
اليوم استقرار، غداً اغتيال، بعده قوات مشتركة، وبعده قوات مشتركة مضادة.
لا يرتبط بالأمن القومي… بل بخريطة النفوذ التي تتغير مثل عروض شركات الاتصالات.
والمجتمع الدولي يراقب بصمت حكيم:
“دعهم يتفقون… سنعترف بمن يبقى.”
السياسة اليمنية… الجميع منتصر على الورق
الانتقالي: دولة جاهزة لم يُعلن عنها بعد.
الشرعية: دولة معترف بها… لا أحد يجدها.
التحالف: صانع الاستقرار.
والبلد… متحف مفتوح لتجارب السياسة العربية.
في اليمن، من يملك الأرض يكتب البيان، ومن لا يملك الأرض يكتب تغريدة ويخلد للنوم.
من يتباكى اليوم؟
إنهم أصحاب “الوحدة المقدسة” الذين كانوا قبل أشهر يتوسلون الانتقالي للمشاركة في الحكومة.
اليوم يتحدثون عن “التمرد”، بينما التعيينات صدرت بتوقيع الانتقالي نفسه.
من يتباكى… يتباكى على وهم، لا على مشروع.
رؤية للخروج من هذا الهزل السياسي
اليمن لا يحتاج معجزة… يحتاج فقط أن يعترف بالحقيقة، ثم يبني عليها، لا حولها.
الاعتراف بالواقع قبل الأحلام
اليمن مقسّم بالفعل، ومحاولة جمعه بالخطابات مثل محاولة إعادة لصق كأس تكسر 20 مرة.
اتفاق سياسي جديد… واقعي لا تلفزيوني
اتفاق يعترف بالانتقالي كسلطة جنوبية، وبسيطرة الحوثي شمالًا، ويحوّل التحالف من “قائد حرب” إلى “ضامن اتفاق”.
دولة مهام مؤقتة لا دولة مناصب
تركّز على:
توحيد السياسة المالية.
إدارة الموارد والموانئ عبر مجلس اقتصادي مستقل.
إنشاء قوات أمن مشتركة بإشراف دولي.
فتح مسار تفاوض فيدرالي أو انفصالي.
اقتصاد بلا جبايات
إنشاء صندوق موارد وطني بنظام إدارة مستقل، وربط رواتب الموظفين والجيش دوليًا لتثبيت الحياة.
قيادة عسكرية مشتركة
لا جيش موحد الآن… بل جيش لا يقتل نفسه.
قوات دفاع مشتركة، وتحييد المليشيات من القرار السياسي.
استفتاء جنوبي تحت إشراف دولي
مصير الجنوب لا يُحسم بالمدرعات، بل بصندوق اقتراع نزيه يحدد: فيدرالية؟ انفصال؟ شكل جديد؟
شراكة دولية ضامنة
لضبط تنفيذ الاتفاق، ومنع انهيار السلم، وحماية الاقتصاد والموارد.
ضغط شعبي منظم
الشعب—not السياسيون—هو من سيدفع الثمن.
والخلاص يبدأ عندما يقول اليمنيون:
“لا يهم من يحكم… المهم كيف يحكم.”
الخاتمة
في اليمن، الدولة فكرة شعرية، السلطة صفقة مؤقتة، السياسة مزاد مفتوح، والجيش أغنية وطنية بأربع نسخ.
لكن الخروج من الهزل ممكن…
إذا تجرأ الجميع على الاعتراف بالحقيقة، ووضعوا مشروع دولة قبل مشروع منصب، ومصلحة الشعب قبل مصلحة الخارطة.
وحتى يحدث ذلك… سيبقى السؤال معلقًا:
من يعاقب من؟
ومن يحكم من؟
ومن سيبقى حتى نعرف الإجابة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock