محمد بن القاسم الثقفي

هو من أصغر قادة الإسلام عمرًا؛ تولّى القيادة وهو في السابعة عشرة من عمره. يُنسب إليه فتح مدينة السِّند (باكستان حاليًا) سنة 90 هـ، وكاد يصل إلى فتح الهند لولا أن القدر لم يُمهله، بعد أن استدعاه الخليفة وعذّبه انتقامًا لأعمال عمّه الحجاج الثقفي.
إنه محمد بن القاسم الثقفي، قائد جيوش الفتح، وفتى السند الأشهر، الذي اشتهر بكونه فاتح بلاد السند.
كان والده واليًا على البصرة، وجدّه وأعمامه من كبار ثقيف، أما نسبه فهو:
محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، الثقفي.
ولد سنة 72هـ بمدينة الطائف في أسرة ذات مكانة كبيرة؛ فجده محمد بن الحكم من كبار ثقيف. وفي سنة 75هـ صار الحجاج بن يوسف الثقفي والياً عامًا على العراق وشرق الدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان. فعَيَّن الحجاج عمَّه القاسم واليًا على البصرة، فانتقل محمد بن القاسم صغيرًا مع أسرته إلى هناك؛ حيث يحكم والده، ثم بنى الحجاج مدينة واسط التي صارت معسكرًا لجنده وأسرة ثقيف. في هذه البيئة القتالية والسياسية نشأ محمد بن القاسم، وتدرّب على الجندية حتى صار من القادة المعروفين وهو لم يتجاوز 17 عامًا.
حدث في سنة 88هـ أن سفينة عربية قادمة من جزيرة الياقوت (سيلان) كانت تحمل نساءً مسلمات مات آباؤهن، فلم يبق لهن راعٍ هناك. وافق ملك سيلان على سفرهن إلى العراق تقرّبًا للعرب، بل أرسل السفينة محمّلة بالهدايا للحجاج والخليفة الوليد بن عبد الملك.
لكن عندما وصلت السفينة إلى ميناء الديبل في بلاد السند خرج عليها قراصنة فاستولوا عليها وخطفوا النساء ومن معهن من الرجال.
عندها كتب الحجاج إلى ملك السند يطالبه بإطلاق سراح النساء والسفينة، فاعتذر الملك بحجة أن من فعل ذلك لصوص لا يقدر عليهم.
أرسل الحجاج حملتين:
الأولى بقيادة عبيد الله بن نبهان السلمي
والثانية بقيادة بديل البجلي
ففشلتا وقُتل القائدان.
وصل للحجاج أن النساء المسلمات والجنود العرب ما زالوا في سجن الديبل، وأن ملك السند يرفض إطلاق سراحهم عنادًا للعرب. عندها قرر الحجاج فتح السند كلها، واختار محمد بن القاسم الثقفي لقيادة جيش المسلمين، وجهّزه بكل ما يحتاج إليه.
تحرك محمد بن القاسم بجيشه المكوّن من ستة آلاف مقاتل من العراق إلى الشيراز سنة 90هـ، وهناك انضم له ستة آلاف آخرون. ثم اتجه نحو السند ففتح المدن مدينة بعد مدينة لمدة سنتين.
ثم التقى جيش المسلمين بقيادته مع الجيش السندي بقيادة الملك داهر في معركة دامية مصيرية سنة 92هـ، وانتصر المسلمون وقتل داهر في الميدان.
استمر محمد بن القاسم في فتوحاته حتى أكمل فتح بلاد السند والبنجاب سنة 96هـ، لتقوم أول دولة إسلامية في السند والبنجاب، أي باكستان الحالية.
كان محمد بن القاسم:
راجح العقل
حسن التدبير
عادلًا كريمًا
من أرفع الأبطال في الفروسية والقيادة
وقد شهد له بذلك الصديق والعدو.
ولم تُجمع أخباره المتفرقة إلا قريبًا في كتابات حديثة، باستثناء بعض المقالات أو قصة «بطل السند» للأستاذ محمد عبد الغني حسن.
كما جُمعت أخبار فتوحاته وأعماله في كتب السند والبنجاب في القرون الأولى من الإسلام، حيث وُضّحت الأسباب السياسية التي أدت إلى قتله نتيجة نزوات الأحقاد، فخسر العالم الإسلامي بذلك أحد أعظم قادته.
حين كان محمد بن القاسم يستعد للتوجه بجيش الفتح نحو حدود الهند، جاءه أمر الخليفة الجديد سليمان بن عبد الملك بالتوجه إلى العراق.
كان يعلم أن مصيره الهلاك، لا لذنب اقترفه، لكن بسبب سوء حظ وقع فيه نتيجة تصرفات سياسية لعمه الحجاج.
استعد الفتى للسفر، فخرجت الجموع تودّعه باكية، ليس من العرب وحدهم، بل من أهل السند:
المسلمون، البراهمة، والبوذيون كلهم يرجونه أن يبقى، ويعدونه بالوقوف خلفه إن دقّ الخطر بابه.
لكن نفسه الأبية لم تقبل مخالفة أمر الخليفة.
وصل إلى العراق، فأمر واليها صالح بن عبد الرحمن أن يُرسل محمد بن القاسم مقيدًا بالسلاسل إلى سجن واسط، انتقامًا من الحجاج. وهناك عُذب شهورًا طويلة حتى مات سنة 95هـ.
إن البطل محمد بن القاسم الثقفي فاتح السند، هو أحد أعظم أبطال الإسلام، أودع الله فيه نفسًا عالية المطامح وجعل فتوحاته لبنةً في تاريخ الإسلام في الشرق.
إن بلاد السند والبنجاب—أي باكسـ.ـتان اليوم—هي جزء عزيز من التاريخ الإسلامي الكبير، ويُعد محمد بن القاسم مؤسس أول دولة إسلامية هناك، لذلك يبقى اسمه راسخًا في سجل الفاتحين.









