د. فيروز الولي تكتب :اليمن بين البكاء والانتظار: تشريح دولة في غرفة الإنعاش

بلد يبكي على الماضي وينتظر السماء
اليمني اليوم لا يعيش الحاضر، ولا يخطط للمستقبل، بل يبكي على الحمدي، يتحسر على صالح، يلعن هادي، يصبر مع الحوثي منتظرًا فرج الله، ثم تأتي مرحلة أكثر عبثية: عهد رشاد والسبعة… حيث لم يعد البكاء كافيًا، فصار البلد كله في وضعية العصيد السياسي؛ نار ضعيفة، مكونات فاسدة، وطباخون يتشاجرون على الملعقة.
نحن أمام مشهد كرتوني ثقيل الدم:
واحد يبكي على أمة.
الثاني يريد العودة إلى البيت.
الثالث مستعجل دخول الحمام.
الرابع يكسر بيده لأنه لا يفهم شيئًا.
والخمسة الباقون؟ عصابة الثمانية عاجزون عن نطق جملة مفيدة، كأن اللغة العربية أعلنت الإضراب في أفواههم.
هذه ليست دولة… هذا برنامج مواهب للفشل السياسي.
أولًا: التحليل النفسي – المواطن المعلّق بين الحداد والتسليم
اليمني يعاني من اكتئاب سياسي مزمن:
يعيش حالة حِداد طويلة على الحمدي (الأب الغائب).
يبرر استبداد صالح لأنه “على الأقل كان في دولة” (متلازمة السجين الحنين).
يلعن هادي لأنه ضعيف (رغبة لا واعية في جلاد قوي).
يتعايش مع الحوثي باعتباره قدرًا إلهيًا (انسحاب نفسي كامل).
ثم يصاب بالذهول أمام مجلس قيادة لا يقود شيئًا.
النتيجة: مواطن بلا توقعات، أخطر أنواع المواطنين.
ثانيًا: التحليل الاجتماعي – مجتمع فقد البوصلة
اجتماعيًا، اليمن تحولت من مجتمع صراعي إلى مجتمع منهك:
القبيلة تراجعت إلى سمسار.
النخبة تحولت إلى موظف سفارة.
الشباب بين الهجرة أو الجبهة أو القات.
المرأة تدير الأسرة بينما الدولة تبحث عن نفسها في الفنادق.
لم يعد السؤال: من يحكم؟ بل: هل هناك من يشعر أصلًا؟
ثالثًا: التحليل الثقافي – من الحكمة إلى الكوميديا السوداء
اليمن التي صدّرت الحكمة للعرب، صارت اليوم مادة خام للنكت السياسية.
الثقافة الرسمية:
خطابات مكررة.
أناشيد وطنية بلا وطن.
إعلام يصف الهزيمة بأنها “إعادة تموضع”.
حتى اللغة انهارت:
لا مشروع.
لا رؤية.
فقط بيانات ختامية بلا بداية.
رابعًا: التحليل السياسي – دولة بلا مركز قرار
سياسيًا، نحن أمام:
رئيس لا يحكم.
مجلس لا يقرر.
حكومة لا تجتمع إلا للسفر.
ثمانية رؤوس… ولا دماغ واحد.
السلطة صارت:
موزعة كغنيمة.
تُدار بالترضيات.
وتُقاس بالولاءات لا بالكفاءة.
الدولة تحولت إلى جمعية مساهمين في الفشل.
خامسًا: التحليل الاقتصادي – اقتصاد التسول المنظّم
اقتصاد اليمن اليوم:
بلا إنتاج.
بلا سيادة مالية.
بلا سياسة نقدية.
الموارد:
نفط؟ يُهرّب.
غاز؟ يُعطّل.
موانئ؟ مؤجرة سياسيًا.
رواتب؟ تُدفع بالفتات والوعود.
بينما النخبة:
رواتب بالدولار.
إقامات فاخرة.
حسابات بنكية لا تعرف معنى الحرب.
سادسًا: التحليل العسكري – سلاح بلا عقيدة
عسكريًا:
لا جيش وطني.
لا غرفة عمليات موحدة.
لا عقيدة قتالية.
هناك:
جيوش أسماء.
ألوية على الورق.
قيادات تقاتل في الإعلام فقط.
بينما الخصم يملك هدفًا واحدًا: السيطرة.
سابعًا: التحليل الدبلوماسي – دولة تُدار بالهاتف
اليمن دبلوماسيًا:
لا مبادرة.
لا ضغط.
لا خطاب سيادي.
الخارج يتحدث عن اليمن، لا مع اليمن.
والشرعية؟ تنتظر التعليمات كما ينتظر الطالب نتيجة امتحان لم يدخله.
الرؤية: كيف نمنع استمرار هذا الوضع المقزز؟
1. كسر الحلقة النفسية
التوقف عن تقديس الموتى.
التوقف عن تبرير الطغاة.
بناء وعي أن الدولة تُبنى لا تُستعاد.
2. تفكيك مجلس العبث
تقليص القيادة إلى هيكل واحد واضح.
محاسبة علنية.
جدول زمني للانتقال الحقيقي.
3. تمكين الشباب المستقل
خارج الأحزاب.
خارج المحاصصة.
بالكفاءة لا بالقرابة.
4. استعادة القرار الاقتصادي
وقف النزيف.
إدارة الموارد بشفافية.
ربط أي دعم خارجي بإصلاح حقيقي.
5. بناء جيش وطني واحد
عقيدة وطنية.
قيادة موحدة.
لا مليشيات موازية.
6. خطاب دبلوماسي جديد
اليمن ليس مشكلة… اليمن قضية.
من موقع الند لا التابع.
خاتمة: من العصيد إلى الدولة
اليمن لا يحتاج معجزة، بل شجاعة الاعتراف.
الاعتراف بأننا:
فشلنا في الإدارة.
فشلنا في التمثيل.
وفشلنا في حماية شعبنا.









