تاريخ العرب

ذكرى معركة نينوى؛ المعركة التي ورد ذكرها في سورة الروم

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

اليوم ذكرى معركة نينوى؛ المعركة التي ورد ذكرها في سورة الروم في قول الله تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ * وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾.
تلك المعركة أنهت قرونًا من الصراع بين دولتين عظيمتين، طالما تطاحنتا على مُلك الأرض. فقد خاضت الدولة الرومانية البيزنطية والدولة الفارسية الساسانية حروبًا عالمية مدمّرة، كأنهما جبلان يتصادمان منذ قرون. كانت حدود العالم القديم ترتجّ تحت وقع جيوشهما؛ تارةً ينتصر الروم، وتارة يطغى الفرس، وقد جنّد الطرفان شعوبهما بأكملها في تلك الحروب الطويلة.
ومع بداية القرن السابع الميلادي مالت الكفّة بقسوة نحو الفرس، فهُزم الروم هزيمة منكرة، وسقطت المدن الكبرى في أيدي الفرس الساسانيين. وكانت الضربة التي قصمت ظهر الإمبراطورية البيزنطية سقوط بيت المقدس سنة 614م، وسرقة ما يسمّيه المسيحيون بالصليب المقدّس، وتدنيس كنيسة القيامة. عندها بدا وكأن الدولة البيزنطية تلفظ أنفاسها الأخيرة، بل وصل الفرس إلى حصار القسطنطينية نفسها، حتى قال بعض المؤرخين: “لم يكن الروم إلا أمةً تموت”.
وفي هذا الوقت، في صحراء العرب بمكّة، كان النبي ﷺ يخبر الناس بوعد السماء؛ إذ أخبرهم أن الروم رغم هزيمتهم المروّعة سيعودون للغلبة في بضع سنين. قال تعالى:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ * وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾.
وكانت قريش بين ساخرٍ ومستهزئ ومكذِّب.
وفي تلك السنين العصيبة، ظهر جنرالٌ شابّ قام بانقلاب على الإمبراطور الفاشل فوقاس، وتسلّم الحكم سنة 610م: إنه هرقل . وجد الإمبراطورية على حافة الهاوية؛ خزائن خاوية، وجيش مهزوم، وأرض تكاد تبتلعها فارس. لكن هرقل أعاد بناء الدولة من الصفر، أصلح المال والسلاح، وتحالف مع القبائل التركية، ثم اتخذ قراره الأعظم: نقل الحرب إلى قلب الأراضي الفارسية.
وبدأت سنوات طويلة من القتال انتهت بالفصل الأخير: معركة نينوى في العراق، يوم 12 ديسمبر 627م. اختار هرقل أرضًا ضبابية قرب نهر الزاب الكبير، لأن الضباب يضعف سهام الفرس ويربك صفوفهم. وهناك وقعت المواجهة الحاسمة مع القائد الفارسي راهزاد ، فقتله هرقل بيده، فانكسرت معنويات الجيش الفارسي، ثم استدرجهم إلى السهول المكشوفة فحقّق انتصارًا ساحقًا غيّر وجه التاريخ.
وبهذا النصر تحققت نبوءة النبي محمد ﷺ؛ فقد رأى الناس بأعينهم كيف سقطت الروم ثم نهضت نهضة معجزة انتهت بنينوى، فكان ذلك سببًا في إيمان كثير من العرب بصدق الرسالة.
ولعدم وجود جيشٍ فارسي قادر على صدّه، نهب هرقل قصر داستاغرد ، أحد قصور كسرى العظيمة، واستعاد ثلاثمئة راية رومانية كانت غنائم للفرس عبر سنين الحرب. أما كسرى الثاني ففرّ إلى جبال سوسيانا محاولًا جمع جيش جديد للدفاع عن طيسفون (المدائن)، لكن هرقل لم يتمكن من مهاجمتها بسبب انهيار جسر قناة النهروان.
ثم جاءت الفاجعة الفارسية الأخيرة؛ إذ ثار قباذ ابن كسرى على أبيه، وأطاح به، ثم حبسه في زنزانة ضيقة، فمات فيها ببطء بعد خمسة أيام من الجوع والعذاب قبل أن يُجهز عليه الجنود بالسهام. بعدها أرسل كسرى الجديد قباذ عروض الصلح إلى هرقل. ولم يفرض هرقل شروطًا قاسية، فقد كانت دولته أيضًا على وشك الانهيار. وبموجب اتفاق السلام استعاد الروم جميع أراضيهم وجنودهم الأسرى وتعويضات الحرب، إضافة إلى الصليب المقدّس وآثار دينية أخرى نُهبت من القدس سنة 614م. وكانت نينوى آخر المعارك في سلسلة الحروب الرومانية الفارسية.
وبعد النصر أراد هرقل أن يُخلّد اسمه كأعظم أباطرة الروم، أعظم من قسطنطين ويوليوس قيصر. أعاد الصليب إلى القدس ماشيًا، وتخيّل عصرًا جديدًا من الهيمنة البيزنطية. لكن التاريخ كان يتهيّأ لغير ذلك.
فلم تمضِ إلا سنوات قليلة حتى ظهر رجالٌ من صحراء العرب لم يعرف العالم لهم مثيلًا: الصحابة خرجوا برسالة الإسلام، فأسقطوا الدولة الساسانية إلى الأبد، وانتزعوا من الروم الشام ومصر، وغيّروا مسار التاريخ. بكى هرقل على مجده الضائع، ولولا هؤلاء الرجال لكان اليوم يُذكر كأعظم أباطرة المسيحية و الرومان . ولكن الله أراد أن تكون الكلمة الأخيرة للإسلام، و يمن على المستضعفين في الأرض ليعيدوا كتابة تاريخ العالم، و ينقلون الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock