كتاب وشعراء

سطور في سراديب أهل السّماء…..بقلم روضة بوسليمي / تونس

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

* سطور في سراديب أهل السّماء
…وهو يخبرها بأنّه لا سلطان له على قلبه
وأنّه بلغ سدرة الاكتفاء بها …
تتدافع الأحاسيس وتتوافد ذكريات تخرس لسانه فيغوص في بوحه الصّامت : أَحَبّها بلا حدّ ، كان في الغيب ينتظرها مشغولا ، مفتونا متعلّقا بها وقد ضاقت الرّوح بسجنها حتّى أنّه كلّما مرّ بديارها تذكّر كم كان ميّتا فيها عشقا مذ كان في أصلاب الأجداد …!!كم كان يدرك أنّ الأميرة تحتاج رجلا صلبا بجانبها ..
عبثا يحاول أن يداري دمعه… تمنّى لو كانا معا ، لو رآها رؤيا العين ، لو أنصت إلى تنهيداتها وهي على صدره لعلّه يخفّف عنها بعض الأسى القديم وينسيها عالما لم يكن بها يوما رحيما .. لعلّه يكون لها رداء في شتائها البارد ويغرسها في أعمق نقطة في جسده الملتهب وقد صار لها كونا …
كم حاول ملامسة طيفها قبل أن تستحيل كالعادة أثيرا أو خيالا ، فيضيق صدره من جديد ، كمن خلق من ماء وطين و حُمّل فوق جهده …
تلح عليه الأحلام، فيراها تهمس إليه والحياء يجمّلها : “أحببتك يا نصير الرّوح حتّى أنهيت فيك كلّ الحبّ… وغاية المنى
أن أوقن أنّكَ حقيقة وأنّي لم أمت بعد، فتطمئن تلك الطّفلة في داخلي بعد أن استويت فوق البشر..”
بدت له حورية ،بدت غير بقيّة النّساء وهي تسرّ إليه بما يشتعل في دواخلها قائلة :”
أذوب في حديثك .. أذوب في صمتك، أذوب في أنفاسك … وأذوب حتّى قبل أن أفكّر فيك يا سيّد أكواني … أقتل في بعدك ، أقتل في القرب فالمسافات قاتلة والقرب يضني …”
قالت له ذلك ملء صدرها وهي تلتقط تنهيدة أسعفتها …
صارت هذه حياته الجديدة مذ أحبّها بعد أن شفيَ من علل القلب والرّوح وهو الذي طالما
حمل في أحشائه أسى وعشقا وهوسا من أن يمسي كمن فقد هويّته وفقد عنوانه وضلّت سفنه لا يعلم اتّجاهها ولا أين مرافئها… تتزاحم الأسئلة في رأسه ويتزاحم نبضه … ينزّهها عن كلّ تشبيه وإن بلغ ذروة المعنى البليغ :
” أأكون تلك البحيرة التي تفرّ إليها لتستلهم تفاصيل تلك اللّوحة التي ترسمها من زمن بعيد ؟! أم تراني ملهما لقصيد ؟ أو عابر سبيل؟ أو صفحة في كتاب..؟ …يتلقفه ألم الفقد كما تتلقّف الكواسر طرائدها فيتناسل قلقه كما في كلّ مرّة …
كلّما جمعهما القدر في رحاب لحظات تسرق
من رزنامة يومهما… تنسى ما عايشته من إحساس مرير كلّما حاصرها شعور بالموت البطيء … وحين تُسَلّط على رقبتها سيوف فقدت لمعانها واستباحها الصّدأ فيُسمعها بوحا ما سمعته من قبلُ :”
بكيت يا حبيبتي حين أيقنت أنّني لم أكن قبلكِ ..بكيت حتّى ابتلّت أحلامي الثّكلى واغتسلت من كبيرة لم أقترفها …إذ كيف لي أن لا أكون الآن معك ،،،!! يا سطوري الحالمة ويا حلمي البعيد … أصبحت لا أعرفني ، يا من جعلتك في كفّة واحدة وقد نزّهتك من أن يكون لك كفوّا”
يأخذه خياله كلّ مأخذ فيتساءل ثانية وألفا:
–ماذا لو كنت تلمسين دموع الشّوق يا …….. دموع غريب متلهّف إلى وطنه ، متلهّف
لك … ولفراديسك .”
تراودها أفكار مشرقة خلعت سوادها… تعيشه …ترى نفسها جنانه وترى روحها مقامه المحمود
وتعلن له وحده أنّه أكوانها بعد أن آمنت بأنّها أكرمت بحبيب تفرّد بين الخلق …
يتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock