قبل انطفاء الذاكرة ……بقلم محب خيري الجمال

عزيزتي ضوء،
أُحادِثُ العدمَ لا لأفهمه
بل لأتأكّد أنّه يُصغي
فيا عزيزتي ضوء،
الفراغُ الذي لا يسمع أقسى من الموت
أمشي محمولا على هشاشتي
كأنّ عظامي استعارت صلابتها من فكرةٍ مؤقّتة
وكأنّ قلبي
حجَرٌ يتعلّم السباحة في دمٍ لا يثق به
كلّ ما فيّ مؤجَّل
الضحكة، الطمأنينة، حتى الألم
كأنّني وُلدتُ مسودّةً لإنسان
ولم يأتِ أحدٌ ـ ولا أنتِ يا عزيزتي ضوء ـ
لكتابتي بالحبر النهائي
أحمل أيّامي كما تُحمَل قوارير زجاجية
مملوءة بسوائل مجهولة
أخاف أن أسأل عمّا فيها
فالسؤالُ أحيانا رجّةُ يدٍ تُحطّم المعنى
وأنا أخشى، يا عزيزتي ضوء،
أن يتحطّم ما تبقّى
أجلس إلى نفسي فتنهض غريبة
تسألني: من منّا الأصل؟
ومن منّا مجرّد شاهدٍ كاذب؟
وأبحث عنكِ بين السؤالين كإشارةٍ لم تصل
أفكّر بالحياة فتبدو لي حيلةً لغوية
اخترعها الضعفاء ليؤجّلوا مواجهة الصمت
ذلك الصمت الذي لا يشرح نفسه ولا يعتذر
ولا يترك لِضوءٍ مكانا
في داخلي حريق لا يُرى
لأنّه يحترق بالأفكار لا بالأخشاب
كلّ فكرةٍ شمعة وكلّ شمعة اعتراف
وكلّ اعتراف خسارةٌ صغيرة في لعبة الوجود
وأنتِ، يا عزيزتي ضوء، شاهدتي الوحيدة
أراقب الزمن كصيّادٍ أعمى
يلقي شبكته في هواء الذاكرة
ويعود دائما بلا أسماك لكن برائحة البحر
أخاف من النهايات الواضحة وأرتاب من الخلاص
فكلّ بابٍ مفتوح يخفي وراءه
شكلاً آخر من المتاهة حتى الأبواب التي تشبهكِ
أنا ابنُ الأسئلة التي لم تُسأل
وابنُ الأجوبة التي وُلدت ميّتة
أعيش بينهما كجسرٍ لا يعبره أحد
لكن الجميع يحمّله ثقل العبور
وحين أفكّر بالموت لا أراه حدثا بل لغةً أخيرة
ينطق بها الجسد
عندما يعجز المعنى عن الاستمرار
ربّما لن يكون الموتُ سوطا ولا حضنا
ربّما سيكونتوقّفا بسيطا
كأن تُطفأ الفكرة في منتصف جملة
وحينها، يا عزيزتي ضوء،
لن أسأل أين أذهب
بل: هل كنتُ حقيقيا بما يكفي
لأستحقّ الغياب؟









