تقارير وتحقيقات

حكاية أبو الشباب: كيف أفشلت صراعات “الميليشيات” في غزة حرب “الوكالة” الإسرائيلية على حماس

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

كتب:هاني الكنيسي
عبر حسابه على ‘فيسبوك’، أعلن غسان الدهيني قائد ميليشيا “القوات الشعبية” العميلة لإسرائيل اليوم، مسؤولية قواته عن اغتيال المقدم أحمد زمزم، الضابط في جهاز الأمن الداخلي (التابع لحركة حماس)، أمس الأحد، في مخيم المغازي بوسط قطاع غزة.
وبينما نفى جيش الاحتلال التقارير التي تداولها الإعلام “العربي” سابقا عن قيام قوة إسرائيلية خاصة بتنفيذ العملية، أعلنت داخلية غزة (حماس) اعتقال أحد المشتبه فيهم بالضلوع في الاغتيال.
في المقابل، كذّبت مصادر محلية رواية الدهيني (الذي عيّن نفسه قائدا للميليشيا خلفًا لياسر أبو شباب الذي قُتل قبل عشرة أيام)، مؤكدةً أن من اغتال المقدم زمزم فصيل مسلّح آخر “أصغر حجما” في غزة يتنافس مع “القوات الشعبية”، وزاعمةً أن الدهيني أراد فقط أن ينسب العملية لمسلحيه بهدف “تسجيل نقاط لدى إسرائيل وإظهار سيطرته على الوضع، في خضم صراعات داخلية تعصف بالميليشيا”.
وبغض النظر عن أي من هذه الميليشيات “العميلة” هي التي قتلت ضابط غزة، فإن القصة برمّتها تصب في إطار أوسع يشي بأن المشروع الإسرائيلي لشن حرب “بالوكالة” على حماس، يواجه فشلًا ذريعًا.
فمنذ احتلالها لرفح الفلسطينية في مايو 2024، نسجت إسرائيل تحالفًا مشبوهًا مع ميليشيات في غزة مكوّنة من مجرمين مدانين، ومنتسبين سابقين لتنظيم داعش، ومتعاونين مأجورين، وسلّحت بعض أفراد عائلات بدوية وعشائر محلية، مثلما سمحت لهم بإدارة توزيع المساعدات الإنسانية (*اتهمت مذكرة داخلية للأمم المتحدة في نوفمبر 2024 “القوات الشعبية” بالاستيلاء على 90% من قوافل المساعدات قبل وصولها إلى مراكز التوزيع، وبإعادة بيع السلع المنهوبة في السوق السوداء بأسعار باهظة)،.. كل ذلك كان بهدف تقديم تلك المجموعات للعالم (ولترمب خصوصًا) كنواة لنظام حكم بديل لحماس في القطاع، في مرحلة ما بعد حرب الإبادة.
غسان الدهيني (38 عامًا)، كان ملازمًا في شرطة السلطة الفلسطينية قبل أن ينضم إلى “جيش الإسلام” (الجماعة المتطرفة التي بايعت تنظيم داعش عام 2015) الذي اعتمد عليه في تهريب المخدرات عبر سيناء. وقد سُجن مرتين عامي 2020 و2022، بينما توفي شقيقه محمد (تاجر مخدرات) في السجن، وتقول إسرائيل إن شقيقه الآخر وليد -الذي قتلته حماس- كان مقاتلًا في داعش.
أما قائده السابق، ياسر أبو شباب (32 عامًا)، فكان تاجر مخدرات مدانًا وله صلات موثقة بتنظيم داعش في سيناء. حُكم عليه عام 2015 بالسجن 25 عامًا، قضّى منها 8 سنوات قبل أن يفر وسط الفوضى التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر، ثم ظهر مجددا في رفح تحت حماية جيش الاحتلال ليقود عصابة تضم 120 مسلحًا ويعلن “الجهاد” ضد حماس.
وفي مايو 2025، عززت إسرائيل تعاونها مع عصابته بشكل رسمي، فزوّدت أفرادها بزيّ يحمل العلم الفلسطيني (باعتبارهم قوة أمنية شرعية)، وكلفتهم ببناء مخيم نزوح كبير شرق رفح قرب الحدود المصرية. وبعد شهرين، تزامن إعلان وزير الحرب ‘يسرائيل كاتس’ عن خطته لتجميع 600 ألف غزي هناك، ومنع عودتهم إلى وسط وغرب غزة، مع مقال نُشر باسم أبو شباب في صحيفة ‘وول ستريت جورنال’ WSJ الأمريكية، ردّد فيه نفس الأهداف (*أشك في أنه كان يقرأ أو يكتب العربية أصلا)!!
ثم ظهرت صفحة على فيسبوك تروج للمنطقة “الآمنة” التي تحكمها العصابة باللغتين العربية والإنجليزية، بل وعرضت رواتب شهرية تتراوح بين 1000 و1500 دولار للمجندين الجدد.
ووفقا لما نقله الكاتب والمحلل الفلسطيني محمد شحادة (زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR) عن دبلوماسي عربي رفيع، فقد شرعت الإمارات في ذلك الوقت أيضا في دعم جماعة أبو شباب، “ساعيةً إلى خلق منافسين محليين لحماس” .. لأنها تُفضّل “فوضى شبيهة بالسودان” على أي سيناريو تنجو فيه حماس من الحرب.
وفي يونيو الماضي، ظهر الدهيني في مقطع فيديو بجانب سيارة تحمل لوحات ترخيص إماراتية، وهو يحمل بندقية صربية حديثة “لا يمكن العثور عليها إلا في إسرائيل أو الإمارات” -وفقًا لـ’وول ستريت جورنال’.
لكن بحلول الصيف، ندمت إسرائيل على مجهودها وإنفاقها السخي الذي لم يثمر زيادة في أعداد جماعة أبو شباب التي لم ينضم إليها سوى القليل من المدنيين “السوابق”. ووجدت تل آبيب نفسها في عين عاصفة سياسية بعدما خالف النائب المعارض ووزير الدفاع السابق ‘أفيغدور ليبرمان’ قواعد الرقابة العسكرية بانتقاده النتنياهو لـ”تسليحه ما يُشبه داعش في غزة”. وهو ما دفع قبيلة الترابين إلى التبرؤ علنًا من أبو شباب ووصفه بالمتعاون مع داعش!!
ومع وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي، وسيطرة جيش الاحتلال على المناطق المهجورة خارج ما يُسمى “الخط الأصفر”، كلّفت إسرائيل جماعة أبو شباب وخمس عصابات أخرى بشن عمليات كر وفر وبمهام حفر أنفاق للقضاء على مقاتلي حماس في رفح.
وقد نقل موقع +972 الإخباري عن “صحفي أوروبي مخضرم”، أن أبو شباب ناقش آنذاك مع بعض الأطراف “تشكيل حكومة انتقالية في شرق غزة، على غرار قوات الدعم السريع في السودان”. كما نشرت جماعته لقطات دعائية في نهاية نوفمبر تُظهرها كذراع لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية التي يتبناها ترمب. بل وذكرت وسائل إعلام عبرية أن أبو شباب التقى ‘جاريد كوشنر’ في مركز التنسيق المدني العسكري التابع للجيش الأمريكي بكريات غات جنوب إسرائيل.
ثم كان مقتل أبو شباب المفاجئ -في 4 ديسمبر- والذي أحاطه الغموض وتنازعته روايات متضاربة.
وفقًا للصحفي الاستقصائي الغزي محمد عثمان، فإن فصول قصة نهايته بدأت عندما اكتشف الجيش الإسرائيلي طعامًا كان قد زوّد به عصابة أبو شباب داخل نفق تابع لحماس الشهر الماضي. وسرعان ما فرضت إسرائيل قيودًا على أعضاء الجماعة، مُقيدةً تحركاتهم في رفح، ومُقلصةً حصصهم الغذائية.
ثم تفاقمت التوترات بعد أن اعتقل غسان الدهيني (نائب أبو شباب آنذاك) جمعة أبو سنيمة، الذي كان شقيقه محمود مسؤولاً عن توزيع الطعام على “القوات الشعبية” وعائلات أخرى بالمنطقة، للاشتباه في قيامه بتحويل الطعام إلى مقاتلي حماس.
وتتطوّر فصول الدراما عندما ذهب محمود إلى منزل أبو شباب مطالبًا بالإفراج عن شقيقه، لكن “الزعيم” خيّره بين بقاء جمعة رهن الاعتقال، أو تسليمه للجيش الإسرائيلي، فتصاعدت المواجهة وأطلق محمود النار من بندقيته الآلية على أبو شباب الذي توفي متأثراً بجراحه بعد نقله إلى مستشفى ‘سوروكا’ الإسرائيلية في بئر السبع.
وعقب مقتله، اندلعت حلقات مسلسل العنف الانتقامي.
إذ عاد الدهيني بعد علاجه في إسرائيل من إصابة في ساقه اليسرى خلال المواجهة ذاتها، لينفذ سلسلة من عمليات الإعدام، فقتل حراس أبو شباب لتقاعسهم عن التدخل، بالإضافة إلى محمود وشقيقه جمعة (المعتقل) وآخرين. كما شنّ هجمات على منازل عائلة أبو سنيمة وحاصرها واعتدى رجاله على نسائها، ما أسفر عن إصابة عدد من السكان، قبل أن تصدر العائلة بيانًا تعترف فيه ضمنيًا بمسؤولية الشقيقان جمعة ومحمود عن مقتل ياسر أبو شباب.
وبين تقارير متواترة عن صراع محتدم على السلطة (بعد مقتل أبو شباب) بين غسان الدهيني وحميد الصوفي (رئيس الجناح المدني للقوات الشعبية) الذي ينتمي لعائلة أكبر من عائلة الدهيني (أصغر فروع قبيلة الترابين) ويرفض زعامته، وبين صراعات جانبية يقودها زعماء ميليشيات أخرى (أبرزهم عقيد السلطة الفلسطينية السابق حسام الأسطل وزعيم “قوة مكافحة الإرهاب” ،وأشرف المنسي قائد ميليشيا بيت لاهيا، ورامي حليس قائد مجموعة صغيرة في شرق غزة، وشوقي أبو نصيرة المتقاعد من السلطة الفلسطينية ويقود مجموعة في خان يونس، وأحدثهم فصيل “قوة الدفاع الشعبي” مجهول القيادة والذي ظهر مؤخراً في شرق رفح) .. بين كل هذا وذاك، يبدو “وكلاء” الحرب الإسرائيلية على حماس في مهب رياح فشل المشروع الصهيوني لصياغة مستقبل غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock