رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب :رجال بلا دولة: من يفشل في إدارة دكّان لا يبني وطناً

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

حين قال وزير الخارجية القطري إن محمد مرسي—المدعوم من قطر وتركيا وتنظيم الإخوان—فشل حتى في إدارة “دكّان”، لم يكن ينتقد شخصًا بقدر ما كان يفضح وهم الأيديولوجيا حين تُقدَّم كبديل للدولة. السؤال المؤلم: هل كانت مصر استثناء؟
اليمن يجيب: لا.
في اليمن، تتكرر الظاهرة بأسماء مختلفة. الحوثي يحكم صنعاء بقوة السلاح، لكنه يعجز عن تقديم نموذج تنموي في صعدة، مسقط رأسه. لا بنية تحتية تُحتذى، ولا اقتصاد محلي، ولا مؤسسات تعليمية حديثة. من لا يبني بيته، كيف سيبني وطنًا؟ الشعارات عالية، لكن التنمية غائبة.
وعلى الضفة الأخرى، تدير “الشرعية” المشهد من المنافي. رشاد العليمي يرأس دولة على الورق، لكنها تعجز عن إدارة مخفر شرطة في تعز، المدينة التي تُستنزف بين الإرهاب والفوضى. شرعية بلا سيادة، وجيش بلا قرار، وأمن بلا مخافر. إنها دولة تُدار عن بُعد: بيانات كثيرة، أثر قليل.
وفي الجنوب، يُطرح مشروع الدولة من جديد. عيدروس الزبيدي يتحدث باسم الجنوب، لكن الضالع—مسقط الرأس—ما زالت طرقها وخدماتها شاهدًا على فجوة بين الخطاب والواقع. الدولة لا تُقاس بما يُقال في المنصات، بل بما يُنجز على الأرض. من لا يُقنع أهله أولًا، لن يُقنع شعبًا كاملًا.
وقبلهم جميعًا، كان عبدربه منصور هادي نموذج الرئيس الغائب الحاضر فقط في التوقيع. ترك الدولة تتآكل ثم غادر المشهد، كأن اليمن ملف إداري معطّل. وحتى علي عبدالله صالح، رغم دهائه السياسي، لم يبنِ دولة مؤسسات في سنحان، بل دولة أقارب؛ نفوذ بلا نظام، واستقرار قائم على الخوف لا القانون.
لماذا يفشل الجميع؟
نفسيًا: عقدة الزعيم المنقذ، والخوف من الدولة لأنها تُحاسِب.
اجتماعيًا: العصبية قبل المواطنة، والولاء للأشخاص لا للنظام.
ثقافيًا: تمجيد الخطابة واحتقار الإدارة والعمل المؤسسي.
سياسيًا: غياب البرامج، ورفض التداول الحقيقي.
اقتصاديًا: اقتصاد حرب وجبايات وفساد بلا إنتاج.
عسكريًا: مليشيات بدل جيوش وطنية، وسلاح بلا عقيدة دولة.
دبلوماسيًا: ارتهان للخارج وغياب رؤية سيادية.
إعلاميًا: ضجيج وتخوين بدل نقاش عام رشيد.
ماليًا ولوجستيًا: فوضى، إنفاق بلا تخطيط، ودولة تصرف ولا تستثمر.
النتيجة واحدة: لم نرَ تنمية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو إعلام دولة أو دبلوماسية محترمة أو بنية تحتية تقول: هنا دولة. رأينا فقط رجال سلطة بلا دولة.
الخروج من الهزل
الخلاص لا يكون بتبديل الأسماء، بل بتغيير الفكرة.
الدولة قبل الأيديولوجيا، والمؤسسة قبل الزعيم، والبرنامج قبل الشعار، والكفاءة قبل المنطقة. لا يحق لمن يعجز عن إدارة بلدية، أو تطوير محافظته، أو بناء اقتصاد محلي، أن يطالب بإدارة وطن.
اليمن لا يحتاج منقذًا، بل مدير دولة.
ولا يحتاج خطيبًا، بل مهندس نظام.
وإلى أن يحدث ذلك، سيبقى المشهد كما هو: دكاكين سلطة… تُسمّى دولًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock