بروفايل

صاعقة القادسية القعقاع بن عمرو الفيلة تهزم والفرس ينهزمون

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

في صباح اليوم الثاني من معركة القادسية، المعروف بـ”يوم أغواث” لضراوتها، اهتزت الأرض تحت حوافر الخيل وصدى الهتافات. فجأة، انقضّ القعقاع بن عمرو على ساحة القتال كالصاعقة من السماء، بعد وصوله مع المدد من الشام. رأى قائد الفرس، بهمن جاذويه، يتقدم بكبرياء، فاندفع نحوه في لقاء سريع كالبرق. لم تمضِ سوى لحظات حتى انهار الفرسي صريعًا تحت ضربة سيف القعقاع الحاسمة.
كان ذلك اليوم يومًا صعب بالنسبة للفرس. أمطرهم #المسلمون بوابل من الضربات المتلاحقة، بينما وقفت فيلتهم الضخمة عاجزة، مشلولة الحركة. فقد تحطمت في اليوم الأول تلك الأبراج الخشبية التي تحملها على ظهورها – توابيتها كما يسمونها – وانشغل الفرس طوال الليل بإصلاحها دون جدوى.
لم يكتفِ المسلمون بالهجوم المباشر. ابتكر القعقاع حيلة ذكية ماكرة: زيّن الإبل بأغطية مزخرفة وبراقع غريبة حتى بدت كأنها فيلة مرعبة، ثم أطلقها نحو خيول الفرس. ما إن رأت الخيول تلك الأشكال الغريبة حتى أصابها الذعر نفسه الذي أصابها من الفيلة الحقيقية في اليوم السابق. نفرت وولّت هاربة في فوضى عارمة، تاركة جيش الفرس مشتتًا بلا حول ولا قوة.
استمر القتال شرسًا حتى منتصف النهار، ثم تجدد مع حلول الظلام واستمر حتى منتصف الليل، على عكس ليلة اليوم الأول التي كانت أهدأ نسبيًا فدُعيت “ليلة أرماث” أو “ليلة الهدأة”.
وعندما بزغ فجر اليوم الثالث، المعروف بـ”يوم عمواس”، كانت الأرض قد غرقت في الدماء: ألف شهيد من المسلمين، وعشرة آلاف بين قتيل وجريح من الفرس. حمل المسلمون شهداءهم بكل احترام إلى المقابر، وجرحاهم إلى النساء ليعتنين بهم، بينما ترك الفرس جثث رجالهم ملقاة في العراء تحت الشمس الحارقة.
لم ينم القعقاع تلك الليلة. بقي يفكر ويخطط. وعند شروق الشمس، أمر رجاله بالتقدم في مجموعات صغيرة، كل مجموعة مائة مقاتل، يهجمون كالسيوف الحادة ثم ينسحبون بسرعة. زرعوا الرعب في صفوف الفرس وأربكوهم تمامًا.
بدأ القتال في اليوم الثالث مبكرًا جدًا. كان الفرس قد أصلحوا توابيت فيلتهم أخيرًا، فتقدمت تلك الوحوش الضخمة مدعومة بصفوف المشاة، فأثار ذلك ذعر خيول المسلمين من جديد.
رأى سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش، الخطر يقترب، فصرخ بصوت حاسم: “عاصم والقعقاع، كفاكما الفيل الأبيض! وحمّال والربيل، تصديا للفيل الأجرب!”
تقدم عاصم والقعقاع كالأسدين نحو الفيل الأبيض. طعناه في عينيه برمحيهما، فهز الوحش رأسه بعنف ملقيًا من فوقه أرضًا. ثم هجم القعقاع على خرطومه بضربة قوية، فسقط الفيل على جنبه ميتًا. أما الفيل الأجرب، فطعنه حمّال في عينه فجثم على ركبتيه، ثم نهض متألمًا، لكن الربيل أجهز عليه بضربة فصلت خرطومه. هرب الفيل جريحًا مذعورًا، ألقى بنفسه في النهر، وتبعته بقية الفيلة في فوضى حتى وصلت إلى المدائن بعيدًا.
بعد ذلك اندلع قتال عنيف بين الجيشين، وسمّيت ليلة ذلك اليوم “ليلة الهرير” لشدة الضجيج والصياح فيها. قاد القعقاع وأخوه عاصم هجومًا ليليًا بعد صلاة العشاء، واستمر القتال حتى الصباح دون توقف. لم يصل خبر عن سعد أو عن رستم قائد الفرس، ولم يذق أحد طعم النوم، بينما كان القعقاع هو نجم المعركة وصانع أحداثها.
وفي ظهيرة اليوم الرابع، المعروف بـ”يوم #القادسية”، بدأ قادة الفرس الكبار – الفيرزان والهرمزان – بالتراجع، فانهار مركز جيشهم تمامًا. فجأة هبت ريح عاتية، أطاحت بسرير رستم الذهبي وغطته بالغبار والتراب. هرب رستم مختبئًا تحت بغل يحمل حمولة ثقيلة، لكن هلال بن علقة مرّ من هناك وضرب الحمولة دون أن يدري ما تحتها. كشف الأمر، ففر رستم نحو النهر وألقى بنفسه في الماء. لحق به هلال، أمسكه من شعره، جرّه إلى الضفة، ثم أجهز عليه بضربة واحدة، منهيًا بذلك أسطورة القائد العظيم للفرس.
هكذا، وسط الغبار والدماء والصيحات، سطّر المسلمون بقيادة القعقاع بن عمرو ملحمة خالدة في معركة القادسية. مزيج من الشجاعة اللافتة والدهاء الخارق، كتبوا به نصرًا عظيمًا سيظل يروى في تاريخ الأمة إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock