كتاب وشعراء

الأمثالُ الشَّعبيَّةُ , وظاهرةُ فَيضانِ النيلِ في مِصرَ ( الدَّميرَة ) … بقلم محمد عبد اللاه

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

– وكان في مصر – منذ العصور القديمة حتى وقت قريب – ظاهرة طبيعية هامة ومؤثرة ألا وهي ظاهرة ( فيضان النيل ) ، أو ( وفاء النيل ) كما كان المصريون يطلقون عليها قديمًا ، ويعني فيضان النيل أن النيل يمتلئ بالكمِّ الكافي من المياه كل عام في فصل الصيف ، ثم يفيض على ضفافه ، فيغطي الأراضي الزراعية القريبة منه بالمياه المحملة بالطمي الخصيب مما يزيد من خصوبتها ، وزيادة محاصيلها الزراعية الجيدة .

ومع ذلك فقد كان الفيضان في تلك الفترة يعوق حركة الناس وانتقالَهم من قريةٍ إلى أخرى ، ومن نجعٍ إلى آخر ، بل لا يستطيعون المعيشة في وادي النيل على أرض منخفضة ، فجعلهم يقيمون قراهم ونجوعهم وبيوتهم ومعيشتهم على أراضٍ مرتفعة ، أو يجعلونها كذلك حمايةً لهم ولأسرهم من مياة الفيضان وقت زيادتها ، ولذلك نجد الكثير من القرى والنجوع المصرية في الوادي والدلتا يطلق عليها كلمة ( كوم ) أي الأرض المرتفعة مثل : كوم أمبو ، وكوم الصعايدة ، وكوم اشكيلوا ، وكوم بدار ، وكوم العرب ، وكوم حسن ، وكوم غريب ، وكوم الدكة ، وكوم الحامض ، وغيرها على مستوى وادي النيل ودلتاه من أدناه إلى أقصاه .

– وقد كانت مياهُ الفيضان آنذاك تجتاحُ كلَّ شيءٍ أمامها فتدمر ما تدمره ، وتغرق ما تغرقه من البيوت والحقول والمحاصيل وغيرها مما جعلهم يطلقون على فيضان النيل في موسمه كلمة ( الدميرة ) من الدمار والتدمير ؛ حيث كانت المياه تبدأ في الازدياد في شهر يوليو ( أبيب ) ، وتستمر في أغسطس ( مسرى ) ، وسبتمبر ( توت ) حتى شهر أكتوبر ( بابه ) كلَّ عام , ولم يتوقف هذا الأمر عن سريانه على مدى قرونٍ كثيرةٍ إلا بعد بناء ( السد العالي ) ذلك الصرح الشامخ في أقصى جنوب البلاد عام 1960م ؛ حيث تتخزن مياة النيل الفائضة في بحيرة ناصر التي هي وراءه فلا تتعداها أو تتجاوزها على الإطلاق ؛ فتصبح مزرعة خصبة للأسماك المختلفة التي يستمتع بها المصريون في كل أنحاء البلاد .

– وكان لهذا المشروع الوطني الحديث والصرح الإنساني العظيم فوائد كثيرة في مجال الزراعة ، والصناعة ، والكهرباء ، والاستقرار المجتمعي ، رغم تلك الأضرار القليلة التي يمكن معالجتها والسيطرة عليها دواليك .

• وقد أشارت الأمثالُ الشعبيةُ إلى تلك الظاهرة الطبيعية العجيبة ؛ فقالوا : ” أَبِيبْ مَيِّةِ النِّيلْ فِيهِ تْرِيبْ ” – ” فِي أَبِيبْ تُفُورْ مِياهِ النِّيلْ وِتْزِيدْ ” – ” مِسْرَى تِجْرِي فِيهْ كُلّ تُرْعَةْ عِسْرِةْ ” – ” تُوتْ رِيّ وَلَا تْفُوتْ ” , وقالوا : ” جَرْيِ الرِّجَّالَةْ زَيِّ بَحْرِ النِّيلْ وِجَرْيِ الْوَلَايَة ْزَيِّ نًقْطِ الزِّيرْ ” – ” فِرِحْنَا بِالنِّيلْ جِهِ النِّيلْ غَرَّقْنَا ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock