حمزه الحسن يكتب :الاحتيال الفكري

في الدول الديمقراطية لا يمكن لمحل بيع علبة طعام منتهية الصلاحية أو بلا ترخيص من لجنة مختصة أو يتعرض المحل لعقوبات كالغلق الفوري أو السجن حسب النتائج،
والامر نفسه ينطبق على دور النشر وعلى المؤلفين وعلى المترجمين لان الامر اخطر من الطعام الفاسد لانه يتعلق بتزوير ضمير الانسان وخداعه والتلاعب بالامانة الفكرية وهناك رقابة فكرية تتعلق بالامانة في قضايا الترجمة والنشر تتعلق بالتزوير الفكري والخداع والتضليل الثقافي وهو عمل خطر للغاية بل اخطر من تزوير العملة لانه يزور الوعي والضمير وقد يتحول الى مصدر كاذب وتتسع دائرة الاضرار.
هناك الية رقابية على الترجمة وعلى صحة المصادر وضرورة تثبيت المصادر ودور النشر الاصلية واسم الكاتب ورقم الكتاب الدولي والمترجم وغلق اي فجوة قانونية” Loophole تسمح بمرور هذا الخداع الثقافي الممنهج.
وكل دور النشر ذات التقاليد الثقافية والفكرية العريقة تخضع لعقوبات في حالة خرق” الأمانة الفكرية” تشمل الناشر والمترجم والمروج العليم لبضاعة مزورة وهو واجب الدولة ومؤسساتها الرقابية في حماية الجمهور من البلف والنصب والاحتيال :
هناك عقوبات قانونية تشمل تزوير أختام وعلامات تجارية، أو طباعة وبيع نسخ غير مرخصة لكتب سرقت حقوق المؤلف والناشر الأصلي Intellectual Property Infringement انتهاك الحقوق الفكرية.
تتراوح العقوبات من السجن الى الغرامة المالية وغلق الدار واتلاف النسخ المزورة وملاحقة قضائية للحالات التي تثبت انها سلوك منظم منهجي مكرر التي تؤدي الى السجن لان من خطط لهذا العمل لم يتورع عن التخطيط لجرائم أخرى والعبرة في فكرة الخداع والربح وتزوير وعي الجمهور. لا يوضع هذا ضمن الاخطاء الانسانية الناتجة عن السهور والاشتباه والسرعة وسوء الفهم اذا كان العمل يشمل كتباً عدة تم التزوير بسياق موحد واخفاء أصول الكتاب ومصدره ودار نشره الأولى ومؤلفه ومترجمه بل القوانين تعاقب على تحريف الترجمة الحقيقية او اختلاق تفاصيل غير موجودة في النص الاصلي وقد تصل العقوبة الى وصفها بالجريمة اذا كان الهدف الاحتيال المالي او الفكري والتشهير الاخلاقي وفي هذا المجال هناك قوانين تمنع الناشر من الاحتيال Fraud وقد تؤدي الى تدمير سمعة الناشر والدار ومراجعة كل ما نشره سابقاً لأن التزوير الثقافي والفكري ليس خطأ عابراً بل ممارسة متجذرة لها سوابق لكن تمت باتقان على جمهور غير متخصص أو واثق أو يجهل هذا النوع من الخداع الخطر وقد تصل الى عقوبة جنائية حتى لو كانت الترجمة رديئة تلحق ضررا بالكتاب والجمهور وقد يصل الأمر الى ما يطلق عليه بـــــ الإعدام المهني، أي تدمير سمعة الناشر وداره وغلقها والتشهير بها لحماية الجمهور من وباء شراء الأكاذيب.
أحد الأمثلة نقلاً عن مصدر هنا” A Million Little Pieces (2003) لجيمس فراي. تم تسويقه على أنه سيرة ذاتية صادقة عن إدمان الكاتب وعلاجه. أصبح الكتاب من الأكثر مبيعًا، لكن برنامج أوبرا وينفري كشف لاحقًا أن أجزاءً كبيرة منه كانت مُختلقة ومُبالغًا فيها. تعرض الكاتب ودار النشر لانتقادات عنيفة وتم إجبار دار النشر على إضافة إخلاء مسؤولية (Disclaimer) للطبعات اللاحقة”.
هناك ما يسمى الأدب المزيف عندما يقدم كاتب على تاليف كتاب يدعي انه مترجم من لغة اجنبية كما فعل رومان غاري الذي كتب بأسماء مستعارة ليتمكن من الفوز بجائزة غونكور مرتين لتجنب النقد او منح هالة من الغموض للترويج انتهت بانتحاره.
هناك تزوير العلامات التجارية لدور النشر الذي يُصنف كإحتيال كتزوير علامة مصنع سيارات او ملابس.
في العالم العربي يجري التساهل مع هذه الانتهاكات في دول تعاني من خروقات جسيمة للحقوق الانسانية وكثير من دور النشر العربية تمارس الاحتيال والنصب على الكتاب بطرق معروفة كدفع ثمن الطبع وحرمان الكاتب من الحقوق ولو كان هؤلاء في الغرب لكان مكانهم السجون كباعة المخدرات والممنوعات والنصابين.
الاحتيال الفكري لا يقوم فقط على هذه الحالات بل ترويج الكتاب لمؤلفات بعضهم بدوافع العلاقات الشخصية هو نوع من الانحراف الاخلاقي وتزوير الضمائر كما أن تعامل دور النشر التي يديرها تجار أجلاف لا علاقة لهم بالثقافة مع الكتّاب بدونية وتعال وجلافة هو سلوك فج يتسم بالضحالة الاخلاقية في عالم انهارت فيه سلطة دور النشر وصار في وسع الكاتب التعامل مع الجمهور بصورة مباشرة في زمن النشر الالكتروني والتحول الرقمي بعد ان أغلقت صحف ودور نشر كبرى وحسب مصادر موثوقة:
” أفادت تقارير في عام 2013 بأن 98 دار نشر بريطانية أغلقت أبوابها في العام السابق، بزيادة قدرها 42%. بسبب النشر الإلكتروني كدار نشر Evans Brothers الشهيرة ودار نشر Panos London ومؤسسة Small Press Distribution (SP بعد 50 سنة عمل ودار نشر Bertrams وحتى في العالم العربي تعاني دور نشر كبيرة من انخفاض مبيعاتها لسهولة الحصول على كاتب رقمي.
مع الاحترام لقلة من الناشرين العرب يضيعون في الضجة والازدحام، فالأغلبية من محترفي النصب والاحتيال زائد الامية الثقافية الشنيعة والتعالي الاجوف المتخلف الذي لا نجده في كبار اصحاب دور النشر الاوروبية لان البساطة شكل من الثقافة ومن الجمال.









