دونالد ترمب سيُقدم على واحدة من أبرز الخطوات التعديلية وربما الثورية داخل واحدة من أكثر المؤسسات رسوخا في الولايات المتحدة.

ينوي ترمب إجراء تعديل بموجبه سيعيد ترتيب ميزان القوة داخل أعلى هرم القيادة العسكرية الأميركية: أي داخل شبكة «القيادات المقاتلة» (Combatant Commands) التي تُدير العمليات العسكرية عالميًا، جغرافيًا ووظيفيًا، وترتبط بسلسلة قيادة تنتهي عند وزير الدفاع ثم الرئيس. الخطة -بحسب ما نُقل عن مسؤولين مطلعين- تهدف إلى تقليص نفوذ بعض المقرات الكبرى، وإعادة توزيع السلطة بين كبار الجنرالات، بما ينسجم مع توجه إدارة ترمب الثانية نحو “خفض الالتزامات الخارجية” وإعادة توجيه الموارد.
جوهر الخطة يقوم على “تخفيض المكانة” (downgrade) لثلاث قيادات تعد تاريخيًا من الأعمدة الثقيلة في الجغرافيا الاستراتيجية الأميركية: القيادة الوسطى (CENTCOM) المعنية بالشرق الأوسط، والقيادة الأوروبية (EUCOM)، والقيادة الأفريقية (AFRICOM). التخفيض المقصود هنا ليس إلغاءً مباشرًا، بل تقليص البروز والوزن عبر وضع هذه القيادات تحت سقف قيادة جديدة تُسمى «القيادة الدولية الأميركية» (U.S. International Command)، ما يعني عمليًا أن خطوط النفوذ والقرار لن تبقى كما هي، وأن هذه القيادات لن تحتفظ بالمستوى نفسه من الاستقلال والاتصال المباشر في قمة الهرم كما اعتادت خلال عقود.
بالتوازي، تدفع الخطة باتجاه إعادة ترتيب المسرح الأقرب جغرافيًا للولايات المتحدة: نصف الكرة الغربي. إذ تتضمن إنشاء مقر جديد باسم «قيادة الأميركيتين» (U.S. Americas Command / Americom) عبر إعادة محاذاة قيادتي الشمال والجنوب (NORTHCOM وSOUTHCOM) تحت بنية جديدة واحدة. وتمت مناقشة فكرة إنشاء «قيادة قطبية» (Arctic Command) تتبع لهذا الكيان، لكن يبدو أنها استُبعدت في النسخة المتداولة حاليًا.
إذا اعتُمدت الصيغة المطروحة، فالنتيجة الرقمية وحدها تكشف حجم الإجراء وضخامته: تقليص عدد «القيادات المقاتلة» من 11 إلى 8، وتقليل عدد قادة الأربع نجوم الذين يرفعون تقاريرهم مباشرة إلى وزير الدفاع. وتبقى—وفق ما نُشر—قيادات مثل: الهندي-الهادئ، والسايبر، والعمليات الخاصة، والفضاء، والاستراتيجي، والنقل، إلى جانب القيادتين الجديدتين المقترحتين (الدولية والأميركيتين).
لماذا الآن؟ الرواية التي يقدمها مؤيدو الخطة داخل البنتاجون تتمحور حول السرعة والمرونة: تقليل طبقات القرار، وتسريع التحكم والسيطرة على القوات، ومعالجة ما وصفه مسؤول دفاعي بـ”تآكل/خلل” في طريقة قيادة القوات وإدارتها، مع شعور داخلي بأن الوقت ليس في صالح الولايات المتحدة إذا أرادت تكييف جيشها مع أولويات جديدة. وفي الخلفية، تأتي رغبة وزير الدفاع بيت هيجسيث في “كسر الوضع القائم” وتقليل عدد جنرالات الأربع نجوم، وهو توجه سبق أن عبر عنه عبر قرارات/مذكرات تتحدث عن خفض واسع في المناصب العليا.
لكن الوجه الآخر للمشهد هو الثمن الاستراتيجي المحتمل: منتقدون، بينهم وزير دفاع سابق مثل تشاك هيجل، يحذرون من أن توحيد/دمج القيادات قد يقلص «الإحساس التفصيلي» بالبيئات الإقليمية، ويضعف شبكات العلاقات والخبرة المتراكمة التي تتيح احتواء الأزمات قبل تضخمها. وهذه النقطة ظهرت حتى داخل نقاشات البنتاجون نفسه؛ إذ طُرحت أفكار أشد راديكالية (مثل كيانات تتولى التخطيط والسيطرة عالميًا عند اندلاع حرب) لكنها لم تلق قبولًا في الاختبارات لأنها قد تربك المسؤوليات وتحرم القادة من المعرفة الإقليمية الدقيقة.
أما المسار الإجرائي، فالمقترح—كما نُقل—أعده «هيئة الأركان المشتركة» تحت إشراف رئيس هيئة الأركان المشتركة دان كاين، ومن المتوقع عرضه على هيجسيث كـ”خيار مفضل” بين كبار المسؤولين العسكريين، لكنه ليس قرارًا نهائيًا بعد: إذ يحتاج موافقة وزير الدفاع والرئيس، ثم يترجم عبر «خطة القيادة الموحدة» (Unified Command Plan) التي تحدد أدوار القيادات الكبرى.









