قتيبة بن مسلم: القائد الذي أرعب ملك الصين

في أيام الدولة الأموية، برز قائد عظيم يُدعى #قتيبة بن مسلم الباهلي، أبو حفص. رجل لم يصل إلى مكانته بالنسب أو الجاه، بل بعزيمته الحديدية وشجاعته النادرة ودهائه في الحرب. ولد في البصرة عام 49 هـ (أو 48 هـ في بعض الروايات)، نشأ على الفروسية والعلم، فأصبح من أبرز أبطال الإسلام. كان من قبيلة باهلة، وأبوه مسلم بن عمرو قاتل مع مصعب بن الزبير وقتل في حربه ضد عبد الملك بن مروان.
توليه إمارة خراسان وبداية الفتوحات
تولى قتيبة إمارة خراسان لعشر سنوات كاملة (من 86 إلى 96 هـ)، خلفًا للمهلب بن أبي صفرة، بتعيين من الحجاج بن يوسف الثقفي. عندما وصل إلى مرو عاصمة خراسان، جمع الجيش والناس، وألقى خطبة نارية أشعلت في قلوبهم حماس ا ذكّرهم بآية الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، وحثهم على الصبر والثبات، ووعدهم بنصر الله
ثم انطلق كالإعصار، عابرًا نهر #جيحون نحو أرض ما وراء النهر، حيث المدن الحصينة والملوك الأقوياء والأترك الشرسون. فتح أراضي شاسعة من خوارزم وبخارى وسمرقند إلى فرغانة وكاشغر على حدود الصين، وأسلم على يديه خلق كثير، فدانوا بدين الله طواعية أو بعد أن رأوا عدله وقوته.
مراحل فتوحاته الكبرى
– **المرحلة الأولى (86 هـ):** بدأت باستعادة الطالقان وطخارستان والصغانيان، فانضم إليه أمراء بلخ، وصالح بعض الملوك، وكلف أخاه صالح بفتح مدن فرغانة. كانت البداية قوية، أعلنت عن قائد لا يعرف الهزيمة.
– **مرحلة #بخارى الشاقة (87-90 هـ):** هاجم بيكند أولاً، وواجه مقاومة عنيفة من أهلها والصغد. حاصروه شهرين كاملين، حتى دعا الحجاج الناس للدعاء في المساجد. انتصر المسلمون أخيرًا بعد معارك دامية، غنموا كنوزًا هائلة. نقض أهل بيكند الصلح مرة أخرى، فعاد قتيبة يعاقبهم بشدة. واصل حملاته الصيفية، يعود شتاءً إلى مرو، ففتح نومشكت ورامثنة، وهزم تحالفات كبيرة، حتى سقطت بخارى نفسها في 90 هـ بعد قتال شرس.
– **مرحلة #سمرقند العظيمة (90-93 هـ):** جوهرة الصغد. صالح ملكها طرخون أولاً، لكنه نقض العهد، فجهز قتيبة جيشًا هائلاً بقيادة أخويه عبد الرحمن وصالح. حاصر المدينة، استخدم المنجنيقات، فتح ثغرة في الأسوار، وأحبط محاولات الاستنجاد بالأترك. أخيرًا صالح أهلها على جزية ضخمة، دخل قتيبة المدينة فهدم الأصنام وبنى مسجدًا عظيمًا، ثم عاد منتصرًا إلى مرو.
– **مرحلة الشاش وفرغانة وكاشغر (94-96 هـ):** قاد عشرين ألف مقاتل، واجه الأترك في معارك عنيفة عند خجندة، طلب تعزيزات من الحجاج فأرسل جيوشًا من العراق. فتح الشاش وفرغانة، ووصل كاشغر قريبًا من حدود الصين. أرسل ملك الصين هدايا وترابًا من أرضه ليطأه قتيبة ويبر بقسمه دون غزو أعمق. لكن وفاة الحجاج في 95 هـ أحزن قتيبة حزنا شديدا، فعاد إلى مرو.
النهاية المأساوية
في 96 هـ، تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة، وكان بينه وبين قتيبة خلاف قديم. قرر قتيبة معارضة الخليفة الجديد، جمع جنده في فرغانة، ذكرهم بفتوحاته وعدله وغنائمه، لكنهم رفضوا التمرد. غضب قتيبة وانتقدهم بشدة، قبيلة قبيلة، فثارت نفوسهم، تحالفوا ضده بقيادة وكيع بن أبي سود هاجموه في مخيمه، وقت.لوه مع إحدى عشر من إخوته وأبنائهم في ذي الحجة 96 هـ. نجا فقط بعض أقاربه.
ابن كثير ودرس التاريخ
قال ابن كثير في “البداية والنهاية”: كان قتيبة قائدًا عظيمًا شجاعًا حكيمًا، فتح أقاليم واسعة، وأسلم على يديه خلق كثير، لكنه أخطأ بخلع الطاعة، فكانت نهايته. ورغم ذلك، قد تكفر أعماله الصالحة وجهاده الطويل ذنبه، والله غفور رحيم.
يبقى قتيبة بن مسلم رمزًا للقائد المؤمن الشجاع، الذي جمع الإيمان بالعزيمة، وفتح أبواب الإسلام في أقاصي الشرق، لكن نهايته درس بليغ في أهمية الوحدة والطاعة للجماعة، فالفتوحات لا تدوم إلا بالتلاحم.









