د. فيروز الولي تكتب :حزب الإصلاح: حين يهاجر الإخوان… وتبقى الدولة رهينة الخطب

ليس غريبًا أن نرى وفدًا من حزب الإصلاح يجوب العواصم الغربية، يشرح معاناة اليمن، ويطالب بدعم الدولة، ويشكو من الانقلاب، بينما الدولة نفسها تبحث عنه داخل البلاد فلا تجده.
فحزب الإصلاح – النسخة اليمنية من الإخوان المسلمين – لم يهرب من الحوثي فقط، بل هرب من فكرة الدولة نفسها، تاركًا اليمن بين مطرقة المليشيا وسندان الخطابة العابرة للحدود.
أولًا: التحليل النفسي – عقلية الضحية المتنقلة
نفسيًا، يعيش الإصلاح حالة اضطراب هوية سياسي:
هو دائمًا ضحية، حتى عندما يكون شريكًا في القرار.
مقموع، حتى وهو ممثل في الحكومة.
ملاحَق، حتى وهو محمي إقليميًا ودوليًا.
إنها عقلية الإخوان الكلاسيكية:
“نحن مظلومون لأننا لم نحكم وحدنا.”
ولهذا لا يُجيد الإصلاح سوى البكاء أمام البرلمانات، لا المواجهة في الميدان، ولا بناء نموذج في المناطق التي يسيطر عليها.
ثانيًا: التحليل الاجتماعي – حزب بلا مجتمع
اجتماعيًا، فشل الإصلاح في التحول إلى حزب وطني جامع.
ظل تنظيمًا فوق المجتمع لا نابعًا منه، يتحدث باسم القبيلة حينًا، وباسم الدين حينًا، وباسم الثورة حينًا، وباسم الدولة حين لا يبقى شيء.
وعندما سقطت الأقنعة، اكتشف الشارع أن الإصلاح:
لا يملك مشروع خدمات
لا يملك رؤية دولة
ولا يملك شجاعة الاعتراف بالفشل
فانسحب بهدوء… وترك المجتمع يدفع الثمن.
ثالثًا: التحليل الثقافي – ثقافة الوعظ بدل الإنتاج
ثقافيًا، الإصلاح حزب المنبر لا المصنع،
حزب الخطب لا الخطط،
حزب التعبئة لا التنمية.
لم ينتج مدرسة فكرية حديثة،
ولا خطابًا وطنيًا جامعًا،
بل أعاد تدوير خطاب الإخوان:
دين مسيّس، وطن مؤجّل، ودولة بعد التمكين.
رابعًا: التحليل السياسي – الهروب كاستراتيجية
سياسيًا، لا يمكن وصف سلوك الإصلاح إلا بأنه هروب مُدار بعناية.
انسحب من صنعاء، ثم من عمران، ثم من الجوف، ثم من مأرب سياسيًا لا عسكريًا، ثم من تعز إداريًا لا شعبيًا.
وعندما فشل في الداخل، قرر الاستثمار في الخارج:
برلمانات، منظمات، بيانات، صور، لقاءات…
وغياب تام عن المسؤولية الفعلية.
خامسًا: التحليل الاقتصادي – إدارة الفشل لا الاقتصاد
اقتصاديًا، لم يقدّم الإصلاح نموذجًا واحدًا ناجحًا للإدارة.
في المناطق المحسوبة عليه:
فوضى
فساد
شبكات مصالح
اقتصاد ظل
ثم يخرج ليطالب بدعم اقتصادي، وكأن الفشل ظرف طارئ لا منهج عمل.
سادسًا: التحليل العسكري – بندقية بلا قرار
عسكريًا، كان الإصلاح الأكثر تسليحًا والأقل حسمًا.
قوات كثيرة، معارك مؤجلة، وقرارات غائبة.
النتيجة؟
الحوثي يتقدم،
والإصلاح ينسحب،
ثم يطالب المجتمع الدولي بإدانة التقدم!
سابعًا: التحليل الدبلوماسي – شكوى بلا مشروع
دبلوماسيًا، خطاب الإصلاح في الخارج يقوم على:
الشكوى
التخويف
الابتزاز الأخلاقي
لا رؤية سلام،
لا تصور دولة،
لا ضمانات شراكة.
مجرد:
“ادعمونا… وسنرى لاحقًا ماذا نفعل.”
ثامنًا: التحليل اللوجستي – تنظيم ممتاز للهروب
لوجستيًا، الإصلاح منظم جدًا… في شيء واحد فقط:
إعادة التموضع خارج اليمن.
قيادات بالخارج، أسر بالخارج، أموال بالخارج، إعلام بالخارج…
أما المواطن؟
فله الله.
تاسعًا: التحليل الإعلامي – ماكينة تبرير لا مساءلة
إعلام الإصلاح لا يسأل:
لماذا فشلنا؟
لماذا انهارت المناطق؟
لماذا لم نحسم؟
بل يسأل فقط:
لماذا لم يدعمونا؟
لماذا تخلوا عنا؟
لماذا لا يصدقوننا؟
إعلام يبرر، لا يراجع.
يدافع، لا يعترف.
يهاجم الجميع… إلا نفسه.
الخاتمة: الإخوان لا يبنون دولًا… بل يؤجلون سقوطها
في النهاية، مشكلة اليمن ليست الحوثي وحده،
بل من قدّم نفسه نقيضًا له، ثم تصرف كنسخته الأخرى.
الإصلاح لم يُهزم فقط عسكريًا،
بل سقط أخلاقيًا وسياسيًا وفكريًا عندما اختار الهروب بدل المواجهة، والشكوى بدل البناء.
الرؤية: ما الذي يجب أن ينتهي؟
إنهاء احتكار الإخوان لتمثيل “الشرعية”
تفكيك الوصاية الدينية على السياسة
بناء أحزاب وطنية لا تنظيمات عابرة
ربط أي دعم خارجي بالإنجاز لا بالخطاب
إنتاج نخب جديدة تؤمن بالدولة لا بالجماعة
اليمن لا يحتاج خطيبًا جديدًا في لندن،
بل مسؤولًا شجاعًا في صنعاء أو تعز أو مأرب.
الدولة لا تُبنى بالصور…
ولا تُستعاد بالبيانات…
ولا تُدار من المنفى.









