رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب:كيف يختار اليمن قياداته… ليصبح «سويسرا العرب»؟

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لنكن صرحاء بلا مسكنات وطنية: اليمن لا يعاني من نقص القادة، بل من فائض الفشل. بلدٌ يصدّر العباقرة في الخارج، ويستورد في الداخل أسوأ نسخ الإدارة. فكيف نطالب بأن نصبح «سويسرا العرب» ونحن ننتخب — أو نُفرض علينا — قيادات لا تُجيد حتى قراءة البوصلة؟
هذا تشريحٌ شامل، نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا ولوجستيًا وقانونيًا ودستوريًا… مع روشتة علاج لا تحتاج معجزة، بل شجاعة.
أولًا: التحليل النفسي — متلازمة «المنقذ الكرتوني»
اليمني المُنهك يبحث عن بطل خارق لا عن مؤسسة. نريد رجلًا يتكلم كثيرًا، يلوّح بيده، يقسم بالله، ويعدنا بالكهرباء «قريبًا» منذ 30 سنة. نفسية القطيع تُفضّل الصوت العالي على العقل الهادئ، والخطاب العاطفي على البرنامج المكتوب.
النتيجة: نختار خطيبًا بدل مدير، ومُحرّضًا بدل مُخطِّط.
ثانيًا: التحليل الاجتماعي — القبيلة أقوى من الدولة
في المجتمع، الانتماء يسبق الكفاءة. ابن العم أولًا، ثم ابن المنطقة، ثم ابن الحزب، ثم — إن تبقّى وقت — ابن الوطن. هكذا تتحول الدولة إلى مخيم عائلي كبير، والوظيفة العامة إلى غنيمة.
النتيجة: دولة بلا معايير، وسلطة بلا دولة.
ثالثًا: التحليل الثقافي — تقديس الماضي وكره الحاضر
نعيش على أمجاد مُعلّبة: سبأ، حمير، بلقيس… ثم نغضب لأن الحاضر لا يُشبه الأسطورة. الثقافة السائدة تُكافئ الحفظ لا التفكير، وتُعاقب السؤال لأنه «قلة أدب».
النتيجة: ننتج قيادات تُجيد تلاوة التاريخ… وتفشل في كتابة سطر واحد للمستقبل.
رابعًا: التحليل السياسي — ديمقراطية بلا ديمقراطيين
نُقيم انتخابات بلا برامج، وأحزاب بلا أفكار، وتحالفات بلا مشروع. السياسة تُدار كـسوق قات: مساومات، ووعود لحظية، ثم صداع وخراب.
النتيجة: تداول فاشلين، لا تداول سلطة.
خامسًا: التحليل الاقتصادي — إدارة بلد بعقلية دكان
الاقتصاد يُدار بمنطق: «كم دخل اليوم؟». لا تخطيط، لا بيانات، لا إنتاج. الريع السياسي يلتهم كل شيء، والفساد يعمل بنظام ورديات.
النتيجة: دولة فقيرة فوق ثروة، وشعب جائع فوق كنز.
سادسًا: التحليل العسكري — بندقية بلا عقيدة وطنية
تعدد الجيوش، وتوحّد الفوضى. السلاح أقوى من القانون، والولاء أقوى من الدستور. الجندي لا يعرف إن كان يحمي الوطن أم الشيخ أم الممول.
النتيجة: أمن هش، وحرب دائمة بلا نصر.
سابعًا: التحليل الدبلوماسي — سياسة خارجية بردّة فعل
نصرخ بدل أن نتفاوض، نهدد بدل أن نبني مصالح. لا رؤية، لا ملفات، لا محترفين. سفارات تُدار كـ«مكاتب علاقات عامة».
النتيجة: اليمن حاضر كأزمة… غائب كمشروع.
ثامنًا: التحليل الإعلامي — ضجيج بلا معلومة
إعلام يشتم أكثر مما يُحلّل، ويُطبّل أكثر مما يُحاسب. البروباغندا أعلى من الحقيقة، والترند أقوى من الوطن.
النتيجة: وعي مُضلَّل، وناخب أعمى.
تاسعًا: التحليل اللوجستي — دولة بلا عدّاد
لا إحصاء، لا خرائط، لا قواعد بيانات. نُدير بلدًا بحجم قارة بعقلية دفتر حضور.
النتيجة: قرارات عشوائية، ومشاريع تولد ميتة.
عاشرًا: التحليل القانوني والدستوري — نصوص جميلة… بلا أسنان
الدستور يُقرأ في المناسبات، والقانون يُطبّق على الضعفاء فقط. لا فصل سلطات، ولا قضاء مستقل، ولا محاسبة.
النتيجة: دولة شعارات، لا دولة مؤسسات.
الرؤية: كيف نخرج من انتقاء الفاشلين؟
1) معايير إلزامية للقيادة
سيرة ذاتية منشورة.
برنامج مكتوب قابل للقياس.
مناظرات علنية إجبارية.
اختبار كفاءة وإدارة (نعم… اختبار!).
2) تحرير السياسة من القبيلة
قانون أحزاب يمنع التوريث السياسي.
تمويل شفاف.
تجريم استخدام العصبية والمال السياسي.
3) اقتصاد إنتاج لا شعارات
أولوية للزراعة والطاقة المتجددة والموانئ.
استقلال البنك المركزي.
ميزانية منشورة بندًا بندًا.
4) عقيدة عسكرية وطنية
جيش واحد، قيادة واحدة.
نزع السلاح الثقيل من غير الدولة.
تأهيل مهني لا تعبوي.
5) دبلوماسية المصالح
ملف يمني واحد للخارج.
تفاوض بارد، لا خطابات حارة.
تحويل الجغرافيا من لعنة إلى فرصة.
6) إعلام مهني لا طبّال
قانون إعلام يحمي النقد.
دعم الصحافة الاستقصائية.
محاسبة الكذب العلني.
7) قضاء مستقل حقًا
مجلس قضاء منتخب مهنيًا.
محكمة خاصة بالفساد الكبير.
لا حصانة لأحد.
الخاتمة: سويسرا العرب ليست نكتة
سويسرا لم تُبنَ بالخطابة، ولا بالبنادق، ولا بالهتاف. بُنيت بالقانون، والعقل، والمساءلة. اليمن لا ينقصه الذكاء ولا الشجاعة؛ ينقصه الاختيار الصحيح.
حين نكفّ عن البحث عن منقذ، ونبدأ في بناء نظام… عندها فقط، تصبح سويسرا العرب احتمالًا، لا سخرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock