غير مصنف

أشرف شبانه.. ينتصر لقضايا الإنسانيَّة وينظم شعراً بأبجديَّتها

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

أشرف شبانة.. ينتصر لقضايا الإنسانيَّة وينظم شعراً بأبجديَّتها

نجاح الدروبي

أكثر من عشر مجموعات شعرية في معاني الحبِّ والحرِّيَّة والإنسانيَّة وأغنية حزنٍ واحدة تنزف دموعاً وأسىً.. فيما تُحَوِّلُ مفرداته الشتاء إلى ربيع أخضر والحزن إلى ابتسامات مُشرقة، لتقول للرقيب: “امنع عنِّي الخبز والهواء والضياء، لكن إياك والحرِّيَّة فقد يُصلَبُ الحرف!”.
إنَّه شاعر الأمل (أشرف ياسين شبانه)، الذي نظم كلَّ ألوان الشعر، لكنه ركَّز على الحرِّ منه، كونه يُؤكِّد على فكرة “أحراراً نولد” مازجاً الرومانسية بالفلسفة وعلم النفس، ليصعد نصُّه إلى أعلى درجات الإبداع في قصيدة “أنانا”.
عن “ذاته.. رؤيته.. أحلامه.. طموحاته”، تحدَّث لجريدة “العربي اليوم” في مساحة حُرَّة تنطق إبداعاً:
* هل قابلتَ ذاتكَ مع قصيدة الشعر الحرِّ، وما الدور المنوط بك كشاعر تجاه العالم من خلال تجربتك الخاصَّة، كونك تساهم بأكثر من عشر مجموعات شعرية كلها تنتمي لهذا النوع الشعري؟
** نعم؛ وجدت ذاتي بالشعر الحرِّ، فقد أحببته أكثر من غيره لأنَّه جمع الحُسنيين: موسيقاه متنوِّعة، وهذا أكثر جذباً بالنسبة لي من العمودي ذي القافية الواحدة، وكذا لصوره التي يتنافس بها مع الشعر المُسمَّى بالمنثور أو الحديث، وقد يكون لعشقي التَّحرُّر من كلِّ قيد؛ مع الحفاظ على الموسيقى التي أراها ركناً من أركان الشعر.

* لم تبتعد مثلما ابتعد غيرك عن تناول القضايا الكبرى وتصدير موت الإيديولوجيا.. ما ردُّك؟
** الشعر للحياة وليس للشعر فحسب مثلما العلم كذلك.. وقد كتبت نصَّاً يُركِّز على قيمة
الشعر ودوره في تشكيل وجداننا بما ينعكس على حياتنا، بعنوان (الشعر) وهذا مقطع منه:
إنْ لمْ يكنِ الشعرُ سفينَ نوحْ
يقبضْ بدفَّةِ الزمنِ الجَموحْ
يُنقذِ الوطنَ من الجُنوحْ
ويُضمِّد جروحَ الروحْ
فلا يُعتَدُّ بِهْ.

* لم تتأثَّر تجربتك بفلسفة الجماعة أو مظلَّة جيل رائد.. مثل: “السياب، نازك الملائكة، صلاح عبد الصبور”؛ بل باعتبارها وحدة خاصَّة ومُتميِّزة في مسيرة الشعر.. هل توافقني الرأي؟
** قد أفاجئك بأنَّني وحفاظاً على شاعري لا أقرأ الشعر كثيراً مع كلِّ الحبِّ والتقدير لمُبدعينا العظام.. أحببتُ دوماً أن أكون أنا ولا أقلق إلا عندما يُشبِّهونني بقامة من القامات.

* ما الذي يُميِّز نصُّك الحرُّ كأفكار وآراء بعيدة عن التأطير لإنتاج الدهشة وصنع صداقة مع الكائنات؟
** الحقيقة نحن: (الإنسان والأديب) منسجمان تماماً، في الواقع وعلى السطور، ولا يكون الإنسان إنساناً إلا بالاتحاد مع الطبيعة والاندماج معها وفيها، حيَّة في كائناتها أم صامتة بظواهرها وتضاريسها،
فلا يكون الشاعر شاعراً إلا إذا كان إنساناً في رؤيته للكائنات.
ودائماً أقول لي: كُنْ إنساناً كما أنت وكما تعاهدنا، انتصر لقضايا الإنسانيَّة، واكتب من جديد كأنك تكتب لأوَّل مرَّة بأبجديَّة أكثر إنسانيَّة!.

* هل لازالت الصورة والكنايات الكبرى والمجازات تُزيِّنُ الشعر سواء أكانت كليَّة أم جزئيَّة.. صريحة أم متوارية، وما دور التكرار لبعض الكلمات والأفعال في تحقيق الإيقاع الصوتي؟
** نعم، فالشعر صورة وموسيقى.. وبلاغة النثر تتبلور في مجازاته وكناياته، كما أنَّ لغتنا العربية غنيَّة بالمترادفات فلا لغة تُدانيها في ذلك، بل نجدها تتفوَّق بكلِّ الأوجه على كلِّ اللغات وهذا يساعد الشاعر كثيراً في دقَّة التعبير وبلوغ الإيقاع الصوتي الذي ينشد.

* وردت في اِحدى قصائدك العبارة التالية: “الشعر ياصديقي صيَّادٌ لا يُفلت اقتناص اللحظة”. ما اللحظات التي تريد اقتناصها، وما المساحة التي منحها لك الشِّعر الحرُّ للتعبير عن الذات وهموم الحداثة بعيداً عن الشكل الكلاسيكي؟
** حياتنا ملأى بلحظات الانفعال الإيجابي أو حتى السلبي، وعلى المبدع التقاط اللحظة وترجمة هذا الانفعال لعمل إبداعي يُبلور فيه رؤيته ويُعبِّر عن أحلامه وطموحاته، وقد تنزف دموعه حزناً في اللحظات السَّوداويَّة.
أما الشِّعر الحرُّ فقد منحني الحرِّيَّة من اسمه، فلم يُقيِّدني ببحر واحد ولا بتفعيلة واحدة. لقد أتاح لي التنوّع الموسيقي بالنص الواحد، بل لم يقف حائلاً في إبداع الصورة الشعرية.

* نقرأ قصيدتكَ “عندما يُصلبُ الحرف” فنشعر بأننا أمام شاعر متوجِّع من حُمَّى الرقيب.. ما الفاتورة القاسية التي يدفعها الأديب نتيجة ممارسته فنَّ البوح، وكيف يتابع مشواره الإبداعي؟
** في عهود التضييق على الحريات يلجأ المبدع للرمزية فهي غالباً طوق نجاة من الرقيب، وهذا ما أفعله وغيري؛ كما أنَّني لا أكتب لأستعدي أو لأهدم، فأنا لا أريد إلا إصلاحاً بالتنوير ونشر الوعي مع الالتزام بالقيم الإنسانية.

* حقَّقَتْ قصيدة “أنانا” الأخيرة قفزة نوعيَّة من جهة الشكل والمضمون.. ليتك تتحدَّث لنا عن هذه الخطوة وما تضمَّنت من أفكار وجدانية فكرية متماهية في جذرٍ واحد؟
وهل تأثرت لغتك بمفردات اختصاصك “البيولوجي”؟
** استرعى الشعر السيكولوچي اهتمامي فكتبت: (انشطر نصفين)، و(عندما تتشابه الأيام عليك)، والكثير وصولاً لقصيدة (أنانا) التي رغم كلماتها القليلة إلاإنها كانت مزجاً للرومانسية بالفلسفة وعلم النفس.
وقد تأثرت أشعاري باختصاصي كدارس لعلم البيولوچي، ففي مرحلة سابقة كنت أُركِّز على علمنة الشعر.. نعم علمنة، بمعنى أن أدعم الشعر بحقائق علميَّة لإكسابه مصداقيَّة، فالشعر متَّهم بالكذب، حتى أنهم قالوا: أجمل الشعر أكذبه! ولأنني لست راضياً عن هذه المقولة، حاولت إكساب نصوصي المصداقيَّة المُفتقدة، مثل هذا الجزء من نصٍّ عنوانه “أنا لا أقرأ الكف”:
تسللتُ إليكِ..
من بينِ الجفنين
واجتزتُ القرنيَّةْ
من البؤبؤْ
دون التفاتٍ..
لحرَّاسِ العينْ
ولا لألوانِ القزحيَّةْ
ونفذتُ من العدسة،
كشعاعٍ عاشقٍ..
عبرتُ السائلَ الزجاجيّْ
وتوقفْتُ أمامَ الشَّبكيَّةْ

* تخطر لنا أسماء شعراء في التفعيلة
يُنكرون قصيدة النثر ولا ينسبونها إلى الشعر عموماً، رغم أنها إضافة جزئية للبناء السيمفوني للشعر.. ماردُّكَ.
** لا حجر على إبداع، فقصيدة النثر تفوَّقت وتألَّقت بالصور الشعرية المدهشة بلا شك، ولكنني شخصياً آخذ عليها إهمال الموسيقى، فرأيي أنَّ الشعر هو أبو الفنون وليس المسرح، وذلك لما فيه من بناء وعمارة ورسم وتصوير ونحت وموسيقى وتقمُّص وديكور؛ كل الفنون تتجسَّد في الشعر حتى فن المسرح ذاته.
و لأنَّني متمرِّدٌ بطبعي كتبت أيضاً عن موسيقي سيمفوني مثل نص: (أحراراً نُولد) ، و(قررتُ أن نهرب معاً)، والكثير.

*مادور اتحاد الكتَّاب والمؤسسات الثقافية في مدِّ يد العون للأدباء وطباعة إنتاجهم؟
** المشهد الأدبي بشكل عام والشعر منه خاصَّةً في أسوأ أزمنته، لا لغياب المبدعين الموهوبين
بل لأسباب أخرى كثيرة وفي مقدمتها: النشر غير المسؤول في العديد من التجمُّعات والمنابر الأدبيَّة، وغياب التدقيق اللغوي.
يجب عودة دور وزارات الثقافة والفنون والآداب واتحاد الكتَّاب والمؤسسات الثقافية، لقيام كلٍّ بدوره الحقيقي في رعاية الإبداع والمبدعين، وعدم ترك الأدب والشعر هملاً للدخلاء والمُستغلِّين وفاقدي الصفة، ووضع حدٍّ لفوضى وسائل التواصل التي زادت الطين بلَّة، ودعم الكتاب بالطبع والنشر والتوزيع، وتسليط الضوء إعلامياً على كلِّ منتج أدبي وشعري عبر الصحف والمجلات والإذاعة والرائي.. تستطيع وزارات الثقافة فعل الكثير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock