رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب : الإنتحال كجريمة

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

ظاهرة الانتحال الأدبي ليست جديدة في الأدب والشعر وأشهر المنتحلين في العصر العباسي هما حماد الراوية وخلف الأحمر ـــــــــــــ وهما من كبار النحاة العرب ــــــــــــ اشتهرا بكتابة القصائد ونسبتها الى شعراء كبار قدامى وأفسدا الشعر افساداً لا يمكن اصلاحه كما قال أحد الباحثين حتى كتب طه حسين مؤلفه الشهير” في الشعر الجاهلي” الذي شكك في صحة كثير من القصائد المنسوبة الى كبار الشعراء العرب وأقر خلف الأحمر بتلفيقه كثير من القصائد ونسبها الى شعراء عرب كبار مثل ” لامية العرب للشنفري” وغيرها وأما حماد الراوية فتنسب اليه بعض المعلقات التي نسبها لشعراء كبار كمعلقة أمرؤ القيس ، طرفة بن العبد، زهير ابن أبي سلمى، لبيد، عمرو بن كلثوم ويقدر عددها سبع معلقات، ولا تزال هذه المعلقات تنسب الى هؤلاء الشعراء مع انها من نسج حماد الداهية.
مما اضطر طه حسين لوضع كتابه الشهير: “الشعر الجاهلي”
الذي عصف بثوابت الشعر العربي القديم وقال إن الشعر الجاهلي لم يكتب الكثير منه في العصر الجاهلي بل بعد الإسلام. صودر الكتاب لأنه مس حقائق كثيرة غير الشعر الى حقيقة مرويات التاريخ.
لكن تطور الانتحال ولم يعد عملية نسج على منوال بل تجاوزه الى استعمال نصوص بلا ذكر المصدر او علامات التنصيص بين قوسين ، أو خلط بين نص للكاتب ومصادر أخرى دون ذكرها، مع بعض التحوير لاخفاء النص الاصلي واعرف شخصياً أحد هؤلاء أيام المعارضة السابقة كان يعيد صياغة قصائد لشعراء من امريكا اللاتينية من اجل المال لصحف المعارضة بحيث لا يتعرف عليها اصحابها لذلك أنصح دائماً كل من يحاول دراسة شعراء المنفى أن يكون حذراً لأن أغلبية هؤلاء صاروا شعراء عند السفر.
من طرق الانتحال صياغة فكرة سابقة بطريقة جديدة بكلمات مختلفة لكن الفكرة نفسها والرواية العراقية امثلة على ذلك وقد برع علي بدر في هذا النوع من الانتحال وكتبت عن ذلك بالامثلة منذ 16 سنة مقالة” الركض وراء النقاد، الركض وراء الذئاب” موقع” كتاب العراق ، عام 2009″ وكتب الروائي نجم والي في المانيا عن الكاتب نفسه أكثر من مرة.
روايات علي بدر الاخيرة” المدعو الى مساء السيدة و رواية: الزعيم: خرائط وأسلحة” مكتوبة بالكامل بالذكاء الاصطناعي بعملية التلصيق والنسخ من مصادر لا رابط بينها وبين النص الاصلي والانتقال من مكان الى اخر ومن فكرة الى اخرى دون أي مبررات سردية أو فكرية حتى بلا مقومات الرواية الجديدة او ما بعد الحداثة ونحن أصحاب كار وحرفة نعرف بعضنا جيداً من اللغة لكنها تمشي على الجمهور العام وحتى على النقاد الذين وصف بعضهم رواية” الزعيم” خرائط وأسلحة” انها اعادة صياغة لتاريخ العراق وهذا كذب وسخف لأن الكاتب لا يعرف شيئاً عن الزعيم قاسم ولا مرحلته ويتنقل بالرواية من الزعيم الى بودلير ومن منطقة “المهدية” في بغداد الى باريس ومن شارع الرشيد الى الشانزيليه ومن هذا القبيل لادخال القارئ في متاهات لا ضرورة لها وحشو للايحاء بثقافة واسعة للابهار مع أن وحدة الموضوع شرط جوهري في الرواية.
وهناك اختراع مصادر وهمية غير موجودة أو ذكر المصدر الاجنبي مع تحريفه بطريقة ملتوية يخدم اغراض المنتحل ومرة قرأت مقولة لكاتب عراقي عن بورخيس يصف دويستوفسكي أنه”كلب نابح” في حين ان النص الاصلي وصف قراءته كما لو ترى البحر أول مرة، وهدف هذا المنتحل الدفاع عن نفسه بطريقة ملتوية كالقول حتى الكبار تعرضوا لسوء الفهم.
ومن طرق الانتحال الاختزال الذي يخدم الغرض وحذف الباقي. الانتحال في الرواية الأكثر شيوعاً لكن بطرق احترافية كسرقة الحبكة والفكرة والبناء الروائي الكامل واجراء تغييرات هنا وهناك ومن أشهر الأمثلة رواية” الجذور” لــــ أليكس هالي المستنسخة من رواية “الإفريقي” للكاتب هارولد كورلاندر انتهت بتسوية مالية بعد اعتراف هالي بالانتحال.
رواية” ملك الصقيع” لـــ هيلين كيلر وكانت انتحالاً لرواية” جنيات الصقيع” لـ مارغريت كانبي وقد دافعت هيلين عن نفسها بقوة لكنها اضطرت للاعتراف في النهاية بسبب” الذاكرة الخفية” متهمة ذاكرتها بالتلاعب.
أحد المصادر يذكر ” كاويا فيسواناثان: طالبة في جامعة هارفارد نُشرت لها رواية “How Opal Mehta Got Kissed” عام 2006، وسرعان ما تم سحبها من الأسواق بعد اكتشاف تطابق مذهل في العبارات مع روايات الكاتبة ميغان مكافيرتي”.
في الرواية الانتحال أكثر تعقيداً من الشعر حيث التلاعب بالفكرة والحبكة والشخصيات مع اجراء تغييرات في الامكنة والاسماء والمواقف مع بقاء الهندسة الروائية كما هي مثل مهندس عثر على مخطط عمارة واستنسخه لكنه غير مكان النوافذ والشرفات والحديقة والخ مع بقاء المخطط الهندسي نفسه.
من طرق الانتحال المبتكرة ترجمة رواية وهمية من تأليف شخص مع وضع اسم المؤلف الوهمي ومع انتشار هذا الانتحال تم وضع قوانين صارمة كالسجن وغلق الدار وفقدان المصداقية أو ما يعرف” الاعدام المهني” لأن خداع الجمهور في قضايا تتعلق بالفكر والضمير جناية لا تغتفر وصاحبها متمرس على قضايا كثيرة من هذا النوع في الحياة أيضاً وخارج عالم النشر.
التناص مع عمل آخر أمر مشروع شرط الاشارة للنص الأصلي وكما قال رولان بارت” كل نص هو تناص” أي نسج من آخر أو توليد من نص آخر وهو نادر في الرواية العربية وربما تكون تجربتنا في رواية” تاريخ مضاد” كتناص مع رواية ” رجل في الظلام” لـــــــ بول أوستر أول تجربة عراقية ولا ننسى تجربة الروائي الجزائري كمال داود عندما كتب رواية” معارضة الغريب” كتناص مع رواية البير كامو” الغريب” وحصل على جائزة غونكور الفرنسية أرفع الجوائز.
رواية” الساعات” رواية مذهلة آسرة للكاتب مايكل كننجهام وتتشابك الرواية مع ثلاث قصص للروائية فرجينيا وولف وحازت على جائزة بوليتزر الامريكية أهم جائزة أدبية ومن المدهش أن مايكل توغل في عالم فرجينيا وولف بطرق محيرة من خلال قصصها وخلق نصاً يثير الدهشة والاعجاب مما يعجز بعض الكتاب العرب عن الغوص في اعماق شخصيات تعيش قربه او في علاقة معه ويلجأ للوصف العمومي والصور النمطية وهو الفارق بين الابداع والاستنساخ.
لكن يحدث الانتحال عندما يتم اخفاء النص الاصلي كما فعلها كتاب عرب مع أعمال روائية عالمية. قال الروائي الفرنسي ميشيل بوتور من موجة الرواية الجديدة في محاضرة في القاهرة إن رواية علاء الأسواني” عمارة يعقوبيان” سرقة من روايته” عمارة نيس” في حين إدعى آخرون أن رواية” اللجنة” لـــــ صنع الله ابراهيم اعادة صياغة لرواية كافكا” المحاكمة” كما أن رواية : ترمي بشرر” للروائي السعودي عبده خال التي فازت بجائزة البوكر عام 2010 استنساخ حرفي لرواية كافكا” القصر” وتترجم” القلعة” وكنت أول وآخر من كتب عن هذا الانتحال.
الناقد ابن سلام الجحمي ــــــــــ ولد في البصرة 140 ه ــــ توفى في بغداد 231 ه ــــــــــــ ناقش قضية الانتحال في الشعر العربي لاسباب مالية وقبلية وشخصية مما جعلت الشكوك تتسع في نسبة حتى المعلقات الى الشعراء العرب الكبار.
الانتحال عمل لا اخلاقي وغير قانوني وهو اعتداء مزدوج على القارئ وعلى الكاتب الاصلي وهناك انواع من العقاب : قانوني وعقاب الجمهور وهو النبذ والاحتقار لانه تعرض للخداع وهتك الثقة وخيانة الأمانة، كذلك السجن والغرامة المالية حسب نوع الضرر والزام الجاني من قبل محكمة في الاعتراف الصريح بلا لف ولا دوران في الصحف والاعتذار وسحب النسخ المنتحلة او المزورة وتعويض القراء والأهم سحب المصداقية من جميع أعماله السابقة لأن هذا النوع من الانتحال المكرر في كتب عدة ليس نتاج تجربة واحدة بل تجربة احترافية ووضعه في القائمة السوداء كناشر أو كاتب منتحل عديم المصداقية وسحب الشهادة العلمية اذا تبين في تحقيق قضائي ان المنتحل متمرس في هذا الاسلوب الذي يطعن حتى في علاقاته الانسانية لأن هذا أخطر تجاوز على الكرامة البشرية بعد الخيانة والقتل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock