ليل والبطن المكتنز قليلا… هيثم الأمين / تونس

سخيف جدّا هذا اللّيل؛
يجوب العالم عاريا تماما
ولا يمانع أن تتحرّش الأضواء الخافتة بجسده الأسود المترهّلِ…
يجرّ خلفه طوابير المتعبين
إلى النّوم.. وإلى أحلام قد تكون سعيدةً
وهو يدندنُ ما بقي من ضجيج النّهارْ..
يطوف البيوت كلّها
ويتلصّص على النّوافذ
فيكتب
– بالبرد العريض –
على حيطان غرف الفرادى
ما جاء في كتُب الحزن وتعاليم الوحيدين!
وأنا.. يُثيرني بطنك المكتنزُ قليلا،
شعرك الكستنائيّ القصير والمجعّدُ قليلا
والقرط الكبيرُ وهو يثرثرُ
لشحمة أذنك
عن القبلة حين تكون شامة تزيّن عنقكِ
وشرارة تُضرم الحرائق في بياضك المسالم كزهر الياسمين…
مرّ اللّيلُ، من هنا، أيضا؛
كان يدخّن سحابةً وينفث الكثير من النّباح
ومن عويل الرّيحْ
وأنتِ.. كنتِ تعبثين بشعر لحيتي.
نعم؛ لقد عضضتِ شفتي السّفلى؛
عضّة خفيفة وسريعة
كرضيعة عضّت جلدة البزّازة فلم تتذوّق، فها، صرخة أمّها!
كانت أصابعي لا تزال تعبث بشاشة الهاتف الذّكيِّ
وكان الغزاة
– على الضفّة الأخرى –
نائمين ولا يخطّطون لحـ(ـر)ب جديد(ة)!
سخيف جدّا هذا اللّيلْ؛
يبدو جائعا ومازال يبحث عن صدر ينام فيه حين يأتي النّهار
وأنا.. بطنُكِ المكتنزُ قليلا
يثيرني جدّا
وتثيرني جدّا فكرة القبلة أصنع منها شامة لعنقكِ!
“أححح”: كلمة السّرّ
وهي تمارس المشي على حبالك الصّوتيّة بدافع قبلتي
أبقظتِ الغزاةْ
وقبائل البدو – في أصابعي – نادوا بالتّرحال فيكِ…
يحملق اللّيل بعينيه الجاحظتين
– من وراء زجاج النافذة –
في غرفتنا
وأصابعه الخشنة تعبث بخصيتيه المنتفختينْ!
كان ضوء التّلفاز المكتوم الصوت كافيا ليشي بنا للّيل
وللغزاةْ
وكنتُ أصلّي للحبّ، في عينيكِ؛
في عينيكِ، كنت وسيما!
لم يكن لي بطن كبير جدّا كما خارجهما!
كان شعري كثيفا
ولم تؤثّر ثلاثون سنة من السّجائر الرّخيصة و لا السّكّريّ
في ابتسامتي!
وكان أنفك الصّغير يعانق أنفي
وأنا أذوّب شفتيك في كؤوس شفتيّ
فتصير كلماتي سكّرا
ولا يعود هذا العالم مرّا…
يلهث اللّيل ككلب متعب، في الخارجِ
والغزاة هاهم – يا سيّدتي – قادمون
ومعهم مليون خطّة لحـ(ـر)ب جديد(ة)…
أنا.. طفلك الجائعُ
وحلمتاك الزهريّتان المنتصبتان مدينتان من حلوى،
مدينتا ملاهي
وأكبرُ فيها حتّى تصيران حانتين
وأصير سكارى ثملين
ويصل الغزاةُ ويحاصرون قدس الأقداس فيك…
يلهث اللّيل تحت مطر خفيف
ويجمعنا عرينا…
عشرات البحّارة العراة، تحت الشّمس.. أنا
وأنت سفينة ملكيّة اسبانيّة محمّلة بالذّهب و الفضّة قادمة من العالم الجديد
والحبّ بحرنا؛ بحرنا المحيط…
قطّتُكِ.. تموء وراء البابْ
واللّيل كذئب جريح يعوي خلف النّافذةِ
وتطير سمّانة ساقك لتحطّ على كتفي
ويدخل الغزاة بكلّ حبّ إلى أرض الخلودْ…
قمرأنتِ
مدّ و جزر.. أنا.
أسافر فيك إلى آخر شهقتكِ
وتسافرين فيّ إلى آخر الغزاة.
تموء قطّتك، وراء الباب، كأنّها تموتْ
و يعانق اللّيل، في الخارج، وحدته و يبكي كطفل ممسوسْ
وينسحبُ الغزاةُ إلى الضّفة الأخرى!
وحده عرينا مازال يجمعنا
وأهمس إليك: أحبّكِ.
تسمعين قطّتك تموء وراء الباب!
فتنسحبينْ!
كأنّك ترتكبين إثمّا؛ تهمسين: القطّة!
أنا.. الآن فقط، أنتبه لصوت تلفاز الجيران المزعجِ!
أنتبه، الآن فقط، أن لا أحد غيري هنا!
من وراء زجاج النافذة، يبدو لي وجهه ساخرا!
يلقي على وحدتي التحيّة و يسألني:
هل تسمح لي أن أنام في صدرك، هذا اليوم؟!
أفتح له صدري،
أرسل لك ارساليّة عبر المسنجر:
“صباح الحب يا صغيرتي”
أغلق صدري جيّدا حتى لا يشعر اللّيل، فيه، بالبرد
ثمّ أبتسم لبطنك المكتنز قليلا وهو يهتزّ في المشهد
وأنام…









