الرمزية الأسطورية وبنية رحلة البطل في رواية «أسطورة سنجابي» لتركية لوصيف….بقلم مجيدة محمدي – تونس

تتناول هذه الدراسة رواية «أسطورة سنجابي» للكاتبة تركية لوصيف بوصفها نصًا سرديًا يتجاوز تصنيفه الظاهري ضمن أدب الأطفال واليافعين، ليؤسّس خطابًا رمزيًا مركّبًا يستند إلى البنية الأسطورية العالمية، وبخاصة نموذج «رحلة البطل» كما نظّر له جوزيف كامبل، مع إعادة صياغته داخل أفق ثقافي عربي معاصر.
وتنطلق الدراسة من مقاربتين متكاملتين: مقاربة أسلوبية تفكّك البنية اللغوية، وتشكيل الشخصيات، ووظيفة الفضاء السردي ، ومقاربة مقارنة تربط الرواية بأنماط الأسطورة العالمية (الإغريقية، الشرقية، والعربية).
وتخلص الدراسة إلى أن الرواية، رغم بساطة لغتها وسلاسة خطابها، تُنتج طبقة دلالية عميقة تسمح بقراءات سياسية ووجودية وتربوية، ما يجعلها إضافة نوعية إلى مسار الأدب الرمزي العربي الموجّه لليافعين.
المقدمة
أضحى الأدب الموجّه لليافعين أحد أكثر الحقول السردية قدرة على استيعاب الرمز الأسطوري وإعادة تشغيله، لما يتيحه من حرية تخييلية ومسافة آمنة بين الخطاب والمعنى. ففي هذا النوع من الأدب، لا تُقدَّم القيم في صيغة تعليمية مباشرة، بل تُنسج داخل الحكاية، وتُحمَّل على أكتاف الرحلة، والتحوّل، والصراع الوجودي.
وفي هذا السياق، تبرز رواية «أسطورة سنجابي» بوصفها نصًا يعيد الاعتبار للحكاية الخرافية لا بوصفها ملاذًا للبراءة فحسب، بل باعتبارها بنية معرفية قادرة على مساءلة مفاهيم الهوية، والسلطة، والعدالة، والوعي.
تكمن أهمية دراسة هذا النص في كونه يجمع بين سردية بسيطة تستجيب لأفق المتلقي اليافع، وطبقة رمزية كثيفة تستدعي مناهج تحليلية حديثة، ولا سيما النقد الأسلوبي والدراسة المقارنة للأسطورة.
الإطار النظري :
—————-
أولًا : الأسطورة وبنية رحلة البطل :
يُعدّ مفهوم «الأسطورة الأحادية» الذي صاغه جوزيف كامبل في كتابه البطل بألف وجه من أكثر النماذج تأثيرًا في دراسة السرديات ذات الطابع الأسطوري. يقوم هذا النموذج على سلسلة من المراحل المتكرّرة في الحكايات الإنسانية الكبرى، من الدعوة إلى المغامرة، مرورًا بالعبور والاختبار والمواجهة، وصولًا إلى التحوّل والعودة.
وتُظهر رواية «أسطورة سنجابي» تقاطعًا بنيويًا واضحًا مع هذا النموذج، غير أنها لا تنقله نقلاً حرفيًا، بل تعيد تشكيله داخل سياق رمزي يستثمر الحيوان بوصفه ذاتًا واعية في طور التكوين.
ثانيًا : النقد الأسلوبي :
ينطلق النقد الأسلوبي من افتراض أن المعنى لا يُستخلص من الحدث وحده، بل من الكيفية التي يُصاغ بها لغويًا. وعليه، فإن تحليل الإيقاع، والصورة، وبناء الجملة، ووظيفة المجاز، يُعدّ مدخلًا أساسياً لفهم الأبعاد العميقة للنص.
ويبدو هذا المنهج ملائمًا لرواية تقوم على الإيحاء، وتُراهن على اقتصاد اللغة، وتكثيف الدلالة، بدل الشرح والتفسير.
ثالثًا : المقارنة السردية :
تتيح المقاربة المقارنة وضع النص في شبكة أوسع من الحكايات الإنسانية، بما يسمح بفهم خصوصيته من خلال ما يشترك فيه مع الأساطير الكبرى، وما يختلف عنه.
وفي هذا الإطار، تُقارن الرواية بأساطير التحوّل الإغريقية، والحكمة الشرقية، والحكاية العربية الشعبية.
الجوانب الأسلوبية في الرواية :
————————————
• اللغة والإيقاع :
تتسم لغة الرواية بالسلاسة والاقتصاد، مع اعتماد واضح على الجمل القصيرة المتتابعة، وهو ما يُحاكي إيقاع الحكاية الشفاهية. غير أن هذه البساطة الظاهرة تخفي قدرة عالية على إنتاج الرمز، حيث تتحول اللغة إلى أداة إيحائية تفتح النص على تأويلات متعددة.
فالتحوّل الحيواني لا يُقدَّم بوصفه حدثًا غرائبيًا، بل باعتباره امتدادًا طبيعيًا للذات، وكشفًا عن طبقة دفينة من الوعي.
• بناء الشخصيات :
تُبنى الشخصيات وفق نموذج رمزي واضح، يقوم على الثنائيات الأسطورية الكبرى:
– السنجابي: البطل الصغير الذي يحمل قوة كامنة لم تتبلور بعد، ويمثّل الذات في طور التشكّل.
– فوستيكا: تجسيد للقوة المظلمة، لا بوصفها شرًا مطلقًا، بل عائقًا أمام اكتمال الوعي.
– توتو: الوجه الوجداني والأخلاقي للرحلة، الذي يمنح المسار بعده الإنساني.
يمنح هذا التشكيل الشخصيات بعدًا يتجاوز وظيفتها السردية، لتغدو تمثيلات رمزية لمسارات داخلية.
• الفضاء والرمز المكاني
تؤدي الأمكنة دورًا دلاليًا محوريًا في الرواية:
– القلعة: رمز للهوية والعدل والنظام.
– الغابة: فضاء اللاوعي والتحوّل.
– الصحراء: تمثيل للفراغ الوجودي والتيه.
– الواحات: محطات الاستراحة الروحية وإعادة التوازن.
وبذلك يتحوّل المكان من خلفية جغرافية إلى خريطة نفسية لمسار البطل.
الرواية في ضوء الأسطورة العالمية :
——————————————-
• التقاطعات الإغريقية
يحيل التحوّل الحيواني إلى أساطير التحوّل الإغريقية، ولا سيما عند أرتميس وسيرس، غير أن الرواية تعيد تأويل هذا التحوّل بوصفه فعل تحرّر وكشف للقوة، لا لعنة أو عقابًا إلهيًا.
• التقاطعات الشرقية
تستثمر الرواية فكرة «القوة الكامنة» التي لا تظهر إلا في لحظة الخطر، وهي فكرة مركزية في الميثولوجيا الصينية والهندية، كما تستلهم العلاقة العضوية بين الذات والطبيعة، على نحو يذكّر بالأدب الفارسي والياباني.
• التقاطعات العربية
يتجلى أثر الحكاية العربية الشعبية من خلال بنية الرحلة، والمنفى، والعودة، وحضور الحيوان العاقل، كما في كليلة ودمنة. غير أن الرواية تنزاح عن منطق الحيلة الخارجية، لتؤكد التحوّل الداخلي بوصفه جوهر الخلاص.
التحليل الرمزي :
——————–
يمكن قراءة الرواية بوصفها تمثيلًا رمزيًا لصراعات إنسانية كبرى:
– الوعي في مواجهة الجهل
– الهوية في مواجهة الضياع
– القوة في مواجهة البراءة
– العدالة في مواجهة الاستبداد
وعليه، تغدو القلعة رمزًا للدولة العادلة أو الذات الواعية، فيما يمثّل السنجابي الإنسان الذي يستعيد وعيه بعد رحلة شاقة عبر الخوف والتحوّل.
الخاتمة
تُظهر هذه الدراسة أن «أسطورة سنجابي» ليست مجرّد حكاية موجهة لليافعين، بل نصا أسطوريا حديث، يزاوج بين شاعرية الحكاية الشعبية وعمق البنية الأسطورية العالمية.
وتكشف الرواية عن وعي سردي قادر على إنتاج خطاب رمزي مفتوح، يسمح بقراءات سياسية ووجودية وتربوية، ما يجعلها إضافة لافتة إلى مسار الأدب العربي المعاصر، ولا سيما في مجال السرد الرمزي ذي النزعة الأسطورية.
المراجع
– كامبل، جوزيف. البطل بألف وجه. ترجمة: حسن صقر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
– إلياد، ميرسيا. الأسطورة والواقع. ترجمة: عبد الهادي عباس، دار الحوار، دمشق.
– بروب، فلاديمير. مورفولوجيا الحكاية الخرافية. ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
– غريماس، أ. ج. السيميائيات السردية. ترجمة: عبد السلام المسدي، دار توبقال، الدار البيضاء.
– عبد الفتاح، صبري. الرمز والأسطورة في السرد العربي الحديث. دار الفكر العربي، القاهرة.
– بنكراد، سعيد. السيميائيات: مفاهيمها وتطبيقاتها. دار توبقال، المغرب.









