رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب:حين تصبح الدولة كومبارسًا: تشريح سقوط الشرعية قبل سقوط اليمن

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

(قراءة تحليلية في نص خالد الرويشان وما وراءه)
ما كتبه خالد الرويشان ليس مقالًا، بل محضر اتهام تاريخي، ولا هو شتيمة سياسية، بل تشريح بلا مخدّر لجسد دولة تُسحب أعضاؤها قطعةً قطعة، بينما رئيسها يتجادل حول صياغة الإدانة:
هل هي “قرار انفرادي”؟
أم “تطور مقلق”؟
أم “دعوة لضبط النفس”؟
في لحظة الذبح، كانت اللغة هي السكين الأولى.
أولًا: التحليل النفسي – متلازمة الرئيس المقيَّد
نص الرويشان يكشف حالة نفسية شديدة الخطورة:
قائد بلا سيادة داخل رأسه قبل أن يكون بلا سيادة على الأرض.
الخوف من الإغضاب، التردد، البحث عن “الحد الأدنى المقبول إقليميًا”، كلّها أعراض ما يمكن تسميته بـ متلازمة الشرعية المُستأجرة:
شرعية تخشى صاحب البيت أكثر مما تخشى خراب البيت.
الرئيس هنا لا يتصرف كصاحب قرار، بل كموظف يخشى إنهاء عقده.
ثانيًا: التحليل الاجتماعي – شعب بلا دولة
حين تُطرد “الدولة” من عدن، لا يُطرد شخص، بل تُطرد الرمزية.
الشعب يرى، فيتعلم درسًا قاسيًا:
لا دولة تحميك… فابحث عن ميليشيا.
وهكذا يتحول المجتمع من مواطنين إلى زبائن أمن، ومن دولة إلى سوق سلاح، ومن وحدة وطنية إلى عروض تقسيم موسمية.
ثالثًا: التحليل الثقافي – سقوط المعنى
أخطر ما في المشهد ليس التقسيم، بل تطبيع التقسيم.
حين تصبح كلمة “الوحدة” محرجة دبلوماسيًا،
وحين يُستفز الرئيس من بيان أوروبي لأنه ذكر “سيادة اليمن”،
نكون أمام انقلاب لغوي:
الوطن صار مصطلحًا زائدًا عن الحاجة.
رابعًا: التحليل السياسي – الشرعية كديكور
السياسة هنا لا تُدار من القصر، بل من الفنادق.
ولا تُصنع في المؤسسات، بل في غرف مغلقة خارج الحدود.
الشرعية تحولت من فاعل إلى كومبارس،
ومن ممثل للدولة إلى شاهد زور على تفكيكها.
والأخطر: أنها تمنح الغطاء القانوني لكل ما يجري.
خامسًا: التحليل الاقتصادي – التقسيم كصفقة استثمار
لا أحد يقسم دولة بدافع العاطفة.
التقسيم مشروع اقتصادي بامتياز:
موانئ بلا دولة
نفط بلا سيادة
جزر بلا دستور
والشعب؟
فاتورة مؤجلة… تُدفع جوعًا.
سادسًا: التحليل العسكري – جيوش بلا وطن
عشر سنوات من بناء تشكيلات مسلحة:
بلا عقيدة وطنية
بلا قيادة مركزية
بلا علم واحد
جيوش تُدار بالريموت كنترول،
وتحارب عند الطلب،
وتتوقف عند الإشارة.
أما “الجيش الوطني” فمجرد اسم جميل في بيانات لا تُقرأ.
سابعًا: التحليل الدبلوماسي – حين تصمت السفارات
الدبلوماسية اليمنية اليوم في أسوأ حالاتها:
سفراء بلا قرار
مواقف بلا سقف
بيانات بلا روح
الدولة التي لا تدافع عن نفسها في مجلس الأمن،
لا يستغرب أن يُعاد رسمها في خرائط الآخرين.
ثامنًا: التحليل الإعلامي – غسيل سمعة بعد فوات الأوان
قنوات دعمت التفكيك عشر سنوات،
ثم فجأة تتحدث عن “وحدة اليمن”!
هذا ليس تحوّلًا أخلاقيًا،
بل إدارة أزمة سمعة بعدما أصبح الخراب فاضحًا.
تاسعًا: التحليل القانوني والدستوري – الجريمة الكاملة
ما يحدث:
انتهاك صريح للدستور
تقويض لإعلان نقل السلطة
ضرب لوحدة الدولة بالقوة
لكن الأخطر هو الصمت،
لأن الصمت هنا ليس حيادًا… بل مشاركة.
الرؤية: كيف نمنع السقوط؟
ليس بالخطابات، بل بخطوات واضحة:
موقف رسمي غير ملتبس
وحدة اليمن ليست “خيارًا سياسيًا” بل حقيقة دستورية غير قابلة للتفاوض.
تحرك دولي فوري
دعوة مجلس الأمن والجامعة العربية بملف قانوني مكتمل، لا بعبارات رمادية.
إعادة هيكلة الشرعية
لا من يرفض الجمهورية داخل مؤسساتها.
تحرير القرار الدبلوماسي
السفير الذي لا يمثل اليمن… يُقال فورًا.
إعادة تعريف التحالف
الشراكة لا تعني الصمت على الذبح.
الخاتمة: لحظة ما قبل الشهادة
ما كتبه خالد الرويشان ليس معارضة،
بل إنذار الحريق الأخير.
إما أن تستعيد الدولة صوتها الآن،
أو سيكتب التاريخ أن اليمن لم يُهزم…
بل استُؤجِر ثم قُسِّم ثم وُقِّعت شهادة وفاته بعبارة:
“نُدين القرار الانفرادي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock