رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب : حماية الثقافة من السياسة

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

الشعوب التي تفشل في حماية السياسة لماذا تفشل في حماية الثقافة؟ هل هما فشل واحد للاسباب نفسها كالتشرذم والانقسام والصراعات وبلا مصدات وقائية مما يسهل اختراق السياسة والثقافة؟
عندما لا تستطيع الدولة حماية الثقافة بل العكس تعمل على تخريبها اذا عرفنا الثقافة كنشاط روحي وفكري وثقافي وفني، فهل تستطيع الثقافة حماية نفسها وعبر أي مؤسسات؟
الانهيار السياسي يضع الثقافة امام تحديات عنيفة كفقدان الحماية وفشل في التعامل مع الثقافة خارج اطار التوظيف السياسي والحاق مؤسسات الثقافة بالمؤسسات السياسية وتنتقل كل أمراض السياسة الى الثقافة حتى يصعب التمييز بين الاثنين ويزول الفارق بين الهجوم على مثقف بسبب وجهة نظر وعلى سياسي بسبب سرقة أو جريمة سياسية: في مجتمع تنهار فيه المعايير العامة وتسيطر المعايير الفردية الرغبية تتشابه الأشياء وبلا استقلالية ذاتية للمثقف وللمؤسسات الثقافية يصبح الاختراق ممكناً من أي جماعة محتالة بقشرة ثقافية كلثام لعبور الحيطان.
يأخذ الاحتيال الثقافي أشكالاً مختلفة كانشاء مؤسسة او منظمة ثقافية في الظاهر للحصول على دعم مالي من الدولة او الافراد مقابل ندوات مرتبة ونشاطات شكلية كغطاء للتمويه وبعض هذه الدكاكين الاحتيالية تقوم بمنح الالقاب او شهادات فخرية أو هدايا بلا أي معايير ثقافية بل لخداع الممول، وغياب الشفافية المالية أو وضع رئيس مؤسسة ثقافية حسن السمعة في الواجهة كدمية والتلاعبات المالية من خلف ظهره وحدثت حتى في الدول الاسكندنافية عند التحقيق في خرق التعاملات المالية إما بفواتير مزورة أو شراء اثاث مستهلك أو حتى متخلى عنه وطرق كثيرة للاحتيال واستعمال الحقوق الثقافية كواجهة احتيالية Fraudulent Facade .
لقد جرى استغلال فاضح في النرويج والسويد بسبب دعم الثقافة والعقائد بشكل تحول الى حديث الصحافة والناس من نماذج من النصابين المهاجرين والهاربين بحجة الاضطهاد السياسي وفي الشهور الاخيرة وبعد هذه الافعال تمت مراجعة قوانين اللجوء واعادة حتى من حصل على الجنسية بعد ثبوت ان الاساس الذي حصل عليه مزيف وانه هارب لسبب خارج السياسة كالسرقة مثلاً وانه جزء من نظام دكتاتوري.
رغم دقة المؤسسات الاسكندنافية لكنها تعرضت للاختراقات كطلب دعم مالي لمنتدى ثقافي مثلا واساءة استعمال الدعم وتشير الارقام الى ارتفاع مقلق في اعمال الاحتيال الثقافي.
حسب صحيفة Expressen السويدية وفي واحدة من الامثلة اكتشفت مؤسسة رقابة مالية سويدية ان احدى الجمعيات سرقت 100مليون دولار في سنوات بطرق تلاعب خفية وتذكر الصحيفة أسماء المتورطين والمؤسسات الثقافية والدينية ورياض أطفال عرب ومسلمين وبعض هؤلاء هرب من السويد وهو الامر نفسه الذي حدث في النرويج حيث يقوم محتال بجمع تواقيع من حثالات من محيطه لفتح دكان ثقافي أو جامع مما جعل المواطن الاجنبي لا يفرق بين لص بعنوان لاجئ وبين لاجئ حقيقي وكان الثمن الذي دفعه الابرياء هو الريبة والخوف وصعوبة في الاندماج مع مجتمعات من ثقافات مختلفة لا تعرف هذا النوع الوافد من المسوخ.
فكيف في دولنا الخالية حتى مؤسساتها الرسمية من الرقابة والشفافية؟
ومع التحديات الداخلية هناك الهيمنة الثقافية الخارجية بعد ان صار الشعب مكشوفا بلا مظلات حامية من الاختراق وتبدأ قوى الهيمنة بفرض قواعدها وأنماطها في كل شيء أمام جيل لم يتجذر في التاريخ الحقيقي بل التاريخ التخيلي ولم يتجذر في حاضر مرتبك ومشوش.
في حال حدوث الفشل السياسي والفشل الثقافي وتداخل المعايير او انهيارها، لا أحد يبحث عن مصير الثقافة ولا الاهتمام بها ولا حتى السياسة ومصيرها بل يصبح الهدف الاول والاخير هو النجاة كطريدة هاربة وكل الهدف البقاء على قيد الحياة والنتيجة صراع هويات وتمزق النسيج الاجتماعي. لا يعود المواطن يبحث عن الحرية بل عن المخبأ الآمن.، وهنا فقط تمارس الهيمنة الخارجية دورها في النهب والسيطرة والاستغلال. الانسان الخائف على حياته عاد الى المرحلة البدائية وزمن الكهوف دون ان يدري ولم تعد الاسئلة الكبرى عن الحرية والعدالة والسيادة مطروحة أمام عنف الحاضر.
فرنسا تاريخيا في حالة دفاع عن ثقافتها ورغم حماية الدولة وقوة المؤسسات لكنها تخشى” الأمركة Americanization ” ويذكر المفكر محمد عابد الجابري في كتابه” المسألة الثقافية في الوطن العربي” إنه اطلع على مركز فرنسي متخصص في مكافحة الاختراق الأمريكي الثقافي.
فكيف الحال في دول سهلة الاختراق بلا مناعة داخلية وبلا جدران اجتماعية وسياسية وثقافية حامية؟ كيف يمكن منع الاختراق الخارجي في مواجهة الفساد السياسي؟ وكيف يحدث التحصين أمام نظام تعليم مدرسي متخلف؟
كيف يمكن الحماية من الاختراق الخارجي، اذا كان الاختراق الداخلي لا يوفر لا الحماية الانسانية ولا الاقتصادية ولا الثقافية؟
ـــــــــــــــــ صدرت هذه الرواية” عزلة أورستا: سرقوا الوطن، سرقوا المنفى” عام 2000 قبل سرقته لان الرواية فن التفاصيل الصغيرة المهملة ومن كان في المنفى لصاً لا يمكن أن يكون نزيهاً في وطن لو استلم سلطة: هذا ما حدث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock