ثلاثية الفناء …..بقلم بدوي الدقادوسي

١- عضلات عمي يوسف
أرتكن بظهري على جدار قبر متهالك في انتظار وصول جثمانه ، تركت وفاته (إثر تدمير فيروس س لكبده )جرحا غائرا في جبين حياتي ؛ فلقد عشت أحلم باليوم الذي تكون عندي عضلاته أشعر أمامها أني أمام عمارة شاهقة تحجب الشمس .
رفع حالة الطواريء القصوى في القرية ؛الرجال يلفون الحدود بفؤوسهم ويشقون مجرى الماء بطول الأرض ويخطون الخطوط ؛والنساء حول الفرن والكانون يقمن بتجهيز خبز خاص وطبخ خاص لهذه المناسبة الخاصة . الأطفال فراشات تطير بين الحقول والبيوت ، إنه موْلِد سيدي الذهب الأبيض .
شقت البذرة طريقها من باطن الأرض، مع الغروب أردفني والدي خلفه على الحمار في طريق العودة للبيت وأنا مشغول بعضلات عمي يوسف ؛أشركته بعد طول تفكير في همي ، أنا زعلان من ربنا ؛كل يوم قبل أن أنام أدعوه أن تكون لي عضلات كعمي يوسف وفي الصباح أجد عضلاتي صغيرة كما هي !
بعد ضحكة قصيرة قال:ياولدي لابد من الأخذ بالأسباب ليستجيب لك الله ؛كل جيدا واعمل بقوة لتنمو عضلاتك .
وصلت الآلة الحدباء دنوت منهم وهم يرقدونه في المثوى الأخير رفع شاب الرأس ورفع اللحاد القدمين وأهالوا التراب عليه وعلى حلمي للأبد .
2-الجلادون
من النسوة القلائل التي لم تصبغ الشمس وجهها باللون الأسمر فلم تكن تبرح البيت لأي سبب ؛ خلعت البسمة وارتدت السواد الذي زادها جمالا .
من مات زوجها حكم عليها بالسواد لاتخلعه إلا حين ترتدي الكفن الأبيض .سياط الناس تلهب ظهرها لو فكرت في الزواج وتجلب العار لبنات عائلتها فتنبو عين الخطاب عنهم للأبد .
حفر إزميل الموت بعقلها ألف علامة تعجب واستفهام: كيف ستزرع أرضها ؟ كيف ستقف بين الرجال ؟ كيف يكون الزرع ؟ كيف يكون الحصاد؟ وهي التي لم تخرج من بيتها من قبل ولو غادرت حارتها تتوه؟ وابنها الوحيد لايعرف إلا لعب الكرة في مركز الشباب وابنتها التي لم تتم العاشرة لاتعرف إلا الطريق لمدرستها .
بدأ الغمز واللمز يعم القرية واستفهامات حول دخول وخروج المعلم عرفة على الأرملة في أي وقت !
ابنها الذي كان كل فريق يتسابق ليظفر باللعب معه ؛أجروا التقسيمة دون أن يختاروه ، نظراتهم إليه و همهمتهم وغمزهم تكفي للإجابة على السؤال الذي كاد أن يقتله .
أيقن أن أرضهم تُزرع وتنمو ثمرتها مروية بشرف أبيه ؛ ذاق الانكسار ولم يعد يبرح البيت ؛أدركت الأم أن ابنها يتجرع كأس الذل ؛فقد ذاقت هذا الكأس ومن ذاق عرف . لم يعد هناك بُد ؛عندما طرق المعلم الباب لم تفتح له بابتسامتها وقبل أن يجلس ؛قالت :الألسنة لاترحم وأنا امرأة وحيدة (اعقد على ابنتي حالا ) .
أعدت النامصة الطفلة للزفاف ، حشت صدرها بالقطن ما يكفي لإظهارها في الكوشة كأنثى ومن المساحيق ما يكفى لإظهارها كعروس . في المساء كان صراخ الطفلة يشق ظلام القرية ؛فلم تكن تعلم المسكينة أنها (عجلة ) يدور بها الجزار في شوارع القرية والأطفال خلفه يزفونها قبل الذبح من بين ذعرها نزعت السيدة القماشة المروية بالدم .
3- مسيرون أم مخيرون
عدت للبيت وأنا أحمل سؤالا أثقل كاهلي ، لم أكن أعرف أنه أجهد العلماء والفلاسفة قبلي (هل نحن مسيرون أم مخيرون؟)
قاطعت الشيخ وهو يلقي الدرس اليومي قائلا :يا شيخنا :هل نحن مسيرون أم مخيرون؟
قال:لنا حرية الاختيار أما القدر فليس فيه اختيار .ولكن أليس كل شيء بقدر ياشيخنا؟ انفعل : لاتجادل حتى لايغضب عليك الرب (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) اسكتني ولم يسكت السؤال بداخلي . طرقت باب ابن عمتي الذي يدرس في الحقوق ويحب القراءة ألقيت عليه سؤالي
نظر نحوي بدهشة وسكت ثانيتين ثم قال :سؤالك صعب أن تفهم إجابته.
– (القانون جريمة معدة باتقان ونحن نسير بحكم هذا القانون .
– لم أفهم أيعني هذا أننا مسيرون؟
غادرته متجها لقريب لنا خريج إعلام يشار له بالبنان ، قابلني ببشاشة ، فور جلوسي بادرته بسؤالي ؛ابتسم قائلا: الفقراء في الدول الرأسمالية مسيرون والأغنياء مخيرون ؛وفي الدول المتخلفة كل البشر مسيرون لمشيئة الحاكم.









