السفير فوزي العشماوي يكتب :مستقبل حماس

لعل أم الأسئلة في القضية الفلسطينية حاليا هو ببساطة : ماهو مصير حماس والمقاومة ؟
ولعلنا سنحاول الإجابة عن هذا السؤال الشائك في النقاط الآتية :
١- ترمب ونيتنياهو وكثير من الاوربيين، بل وربما بعض القيادات العربية، لايريدون مكانا ودورا لحماس في غزة المستقبلية، ولعل هذا هو الجوهر والهدف الحقيقي لخطة ترمب وموافقة نيتنياهو عليها : أن يجبروا العرب في النهاية علي تحمل كلفة اعادة إعمار القطاع مع ضمانات بعدم وجود دور لحماس أو تهديد من المقاومة لأمن إسرائيل في المستقبل
٢- لعل من السذاجة والتبسيط المخل تصور أن حماس والجهاد هما نبت شيطاني أو دخيل علي الجسد الفلسطيني في غزة والضفة، وإنما هما إنعكاس طبيعي للإحتلال والمعاناة والحصار والقمع والفقر من جانب إسرائيل من جهة فلايوجد إحتلال في التاريخ كله دون مقاومة، والعجز والترهل والفساد وسوء الإدارة من جانب السلطة التي كانت تحكم القطاع وخرجت او بالأحري أخرجت منه بعد انتخابات ثم مواجهات دامية سنتي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ كسبتها حماس في مواجهة السلطة في الحالتين من جهة أخري
٣- كما لايمكن إغفال الدور الكبير للتمويل القطري بموافقة من نيتنياهو وحكومته وأجهزته الأمنية علي نمو قدرات حماس، وقدرتها علي التسلح وبناء شبكة أنفاق معقدة، وكان موقف نيتنياهو بناءً علي رؤية إسرائيلية تهدف لشق الصف الفلسطيني وتقوية معسكر اليمين في إسرائيل وضمان بقائه في السلطة والحكم وإجهاض حل الدولتين والإدعاء الدائم كذبا بأنه لايوجد شريك سلام فلسطيني
٤- برغم وجود تقارير قوية بتوافر معلومات لدي إسرائيل بتخطيط المقاومة لعمل ضد إسرائيل إلا أنني أتصور أن نيتنياهو وأجهزته لم يتصوروا أبدا قدرة المقاومة علي القيام بعمل بحجم ودقة وتأثير طوفان ٧ أكتوبر
٥- لن تنسي إسرائيل وداعميها أبدا أن ماتكبده الكيان من خسائر بشرية ومادية ومعنوية علي يد المقاومة في هذا اليوم وفي الحرب الذي تلته يفوق ماتكبدته إسرائيل في كل حروبها السابقة مع كل الدول العربية والاقليمية ( أكثر من ٦٠٠٠ قتيل وعشرات الالاف من المعاقين جسديا ونفسيا وخسائر إقتصادية بمئات المليارات وصورة دولية ملطخة وملاحقات قانونية مزعجة ) ولعل هذا يفسر مسارعة أمريكا والغرب لدعم وإنقاذ المشروع الصهيوني الإستراتيجي الذي تعرض لأكبر خطر إستراتيجي في تاريخه
٦- كما لن ينسي الفلسطينيون أن الطوفان ترتب عليه من جهة تدمير شبه كامل للقطاع وإرتقاء عشرات الالاف واصابة مئات الالاف من جهة، ولكن من جهة أخري فقد تواكب ذلك مع تضحية المقاومة بأرواح الالاف من عناصرها وعشرات من الصف الاول من قياداتها، وأن هذه التضحيات كانت السبب الوحيد في إجبار العدو علي إطلاق سراح الآلاف من السجناء الذين كانوا لن يروا نور الحرية أبدا لولا تضحيات الشعب والمقاومة
٧- يصعب الجزم بحجم التأييد أو الرفض لحماس والمقاومة داخل فلسطين وفي الدول العربية والعالم، ولكن المؤشر الأدق والمتاح لدينا هو الإستفتاءات التي أجراها مركز الأبحاث الفلسطيني ( وهو جهة مستقلة ذات مصداقية بتمويل أوربي )، والتي أثبت أن شعبية المقاومة في غزة مازالت تزيد عن ٦٠٪ حتي بعد حتي بعد الخسائر الجسيمة في الارواح والممتلكات التي خلفها العدوان الإسرائيلي، وأن هذه النسبة أكبر من ذلك في الضفة وربما تزيد عن ٧٠٪ ( رابط إستفتاء وموقع مركز الابحاث الفلسطيني أول تعليق )
أما في الشارع العربي فيمكن القول أن نسبة التأييد للمقاومة أكبر من الرفض في غالبية الدول العربية، كما تشهد عديد الدول الاسلامية والافريقية واللاتينية والاسيوية بل والدول الغربية وأمريكا نفسها تصاعدا في التأييد لفلسطين والاعجاب بالمقاومة ورفض العدوان الإسرائيلي، وهو ماترجم في عديد المظاهرات والفعاليات بالشوارع والجامعات، دون أن ندعي أن لدينا إحصائيات دقيقة لذلك ومن يحوزها نتمني أن يشاركنا إياها، ودون أن ننكر أن الكثيرين في الغرب وأمريكا يرون فيما حدث فجر السابع من أكتوبر إرهابا موجه ضد مدنيين يحتفلون
٨- فشلت محاولات إسرائيلية لتولي شخصيات عشائرية فلسطينية مهمة ادارة القطاع او حتي الاشراف علي توزيع المساعدات علي غرار الكيانات العشائرية في العراق
٩- بُذل جهد مهم للمصالحة الفلسطينية ولم شمل الفصائل الفلسطينية في بكين، وصدر عن هذا الجهد اعلان بكين في ٢٣ يوليو ٢٠٢٤ والذي وقعه ١٤ فصيلا فلسطينيا ( رابط إعلان بكين ثاني تعليق )
١٠- لايختلف إثنان علي حاجة السلطة الماسة للاصلاح وتجديد الدماء وتولي قيادات جديدة تتميز بالمصداقية والقبول الفلسطيني الشعبي والعربي والدولي كفياض وزملط والبرغوثي وغيرهم
١١- ترشحت أنباء غير مؤكدة عن مقترحات مصرية لإحلال حماس بقيادة فلسطينية تكنوقراطية ذات كفاءة من شخصيات فلسطينية مستقلة لإدارة القطاع في المرحلة المهمة والحرجة بعد التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار وخاصة لادارة والاشراف علي جهود إعادة الإعمار
١٢- كما ترشحت معلومات عن مقترحات بمغادرة قيادات حماس للقطاع في مرحلة قادمة لإفساح المجال للقيادة المشار اليها في البند السابق
١٣- ولكن عمليات تسليم الاسري والرهائن الاسرائيليين في الأيام الماضية شهدت حضورا لافتا لكوادر حماس بزي عسكري كامل وتسليح قوي وسيارات حديثة وتنظيم جيد وسيطرة علي الأرض، ماشكل صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي وحرجا ضخما لنيتنياهو وحكومته، وإستنفارا أمريكيا إنعكس في مقترحات ترمب بالسيطرة علي القطاع
١٤- لاأري حلولا في الأفق طالما ظل اليمين الإسرائيلي المتطرف بأفكاره وتهويماته التوراتية، وأحلامه بالهيمنة علي المنطقة وإبتلاع الأرض وطرد السكان وإقامة المستوطنات، ورفض وتعطيل حل الدولتين، رابضا علي سدة الحكم والقرار في إسرائيل، وطالما ظل معسكر السلام هناك مفتقدا للقوة والتأثير منذ إغتيال رابين، وقد كان لافتا أن آخر إستفتاء للرأي العام الإسرائيلي جاء مؤيدا لصفقة وقف اطلاق النار ولكنه ايضا جاء مؤيدا لمخططات التهجير والترانسفير، أما انتخاب ترمب فقد شكل ردة كبيرة في المواقف الأمريكية التي كانت توافق ( ولو كلاميا ورسميا ) علي حل الدولتين، وتماهيا بل ومزايدة علي اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتولي شخصيات صهيونية متطرفة عديد المواقع الحساسة في الإدارة الأمريكية الجديدة
١٥- كما لاأري مستقبلا للقضية الفلسطينية دون توحيد الصف الفلسطيني، وفض النزاع والفرقة والعداء بين حماس والسلطة، والدفع بقيادات جديدة ذات كفاءة ونزاهة ومصداقية، وتحظي بدعم عربي حقيقي ينتقل من إستغلال القضية وإصدار البيانات والدعم الخطابي ودعوة المجتمع الدولي للتدخل إلي الدعم الحقيقي والفعال وإستخدام أدوات التأثير الكثيرة والمعطلة من أجل إنصاف الفلسطينيين الذين عانوا كثيرا وتمكينهم من إقامة دولتهم، فبدون هذين الشرطين ستظل كل القرارات الدولية حبرا علي ورق، ولن يجدي التعاطف الدولي المهم الذي إنعكس في جهود جنوب إفريقيا وعشرات الدول المؤيدة للحق الفلسطيني دون إستفاقة وتوحد وإخلاص أصحاب الشأن أنفسهم من فلسطينيين أولا وعرب ثانيا ومسلمين ثالثا
الخلاصة :
* لاإحتلال دون مقاومة، ولاوجود للمقاومة دون حاضنة شعبية، ولاتراجع للمقاومة دون وجود أفق للتسوية وتحسن في أحوال المعيشة
* ولامستقبل للقضية دون توحد الصف الفلسطيني وبزوغ قيادة جديدة مقبولة وإخلاص القرار والدعم العربي
* ولاتسوية وسلام وأمن وإستقرار دون وجود شريك إسرائيلي شجاع يؤمن بالسلام ويسلم بحقوق الطرف الآخر كما فعل دوكليرك في جنوب إفريقيا مع موافقة وضغوط أمريكية مؤثرة ..
بخلاف ذلك ستظل الأمور متراوحة بين هدوء مؤقت وإنفجار مروع !