رؤي ومقالات

السفسطائيون / للأديب ذ. المعانيد الشرقي ناجي

السفسطائيون
الجزء الثاني
ذ. المعانيد الشرقي ناجي

تعني الحكمة عند السفسطائيين العلم، بل علم الإقناع بما يعتبر ضروريا، صحيحا، فاضلا ومفيدا، إنها فن المقال والديالكتيك الذي يكفل لأربابه الغلبة في فرض آرائهم ومصالحهم. وكل مثقف يمكنه امتلاك هذه الحكمة واكتساب هذا الفن. والكل بحاجة إلى هذا الفن في أثينا الديموقراطية أنذاك، أغنياء وفقراء. مما يجعل الجدل علم العلوم وفتح الباب على مصراعيه للمعلمين الجدد. هذه الحكمة كان لها بالغ التأثير في نمو الفكر المنطقي وفي البحث في الألفاظ ودلالتها. والقضايا وأنواعها، وفي وضع قواعد وشروط البرهان.
فالرأي الصحيح بنظر السفسطائيين هو الذي يمكن أن يُبرهن عليه وأن يقتنع الناس به، وبَرهن تعني أقنع في مذهبهم، بمعنى؛ بلوغ الغاية من الحجاج ألا وهو الإقناع، لأن عصب التفكير الفلسفي والفكر عموما، هو الحجاج. فالسفسطائيون لم يهتموا بدراسة الطبيعة وتجاوزوا إطار الفكر اليوناني السابق معتمدين طريقة ثورية في جوهرها لأنهم لم يهتموا بالمواضيع المجردة. لقد وُلدت معهم، وهي من الحاجات التي تَطَلبها الجدل والنقاش أمام الجمعيات والمحاكم الشعبية، لقد تمكنوا من امتلاك روح نقدية تشك في كل شيء شكاً بناءً لا شكاً هدّاماً. لقد رفضوا كل ما لا يُمكن البرهنة عليه، احتقروا التقاليد الأرستوقراطية البالية ونفوا وجود حقيقة فوق طبيعية أو خوارق، واعتبروا الشرائع واقعا بشريا وقالوا بتغييرها تبعا للظروف والأحوال. واعتبروا الخطابة أو فن المقال خير ما يعبر عن الحقيقة الطبيعية والاجتماعية. لذلك شرعوا في تعليم الجدل في بيوت أغنياء أثينا ومنهم كالياس وكاليكليس، وفي بعض الأحيان كانوا يُلقون محاضراتهم في أماكن عامة لقاء أجر للدخول، وكانوا يستغلون المناسبات التي يجتمع فيها أكبر عدد من الناس ليعرضوا فنهم الخطابي المتوهج حِجاجا.
هذا الموقف السفسطائي على الصعيد الإيديولوجي وجد تبريره ودعامته في فكر هراقليدس حكيم الصيرورة والتغير، لذلك انطلقوا منه لبرهنة تعاليمهم واعتمدوا حينا على بعض ما جاء عند الحكيم بارمينيدس الذي أرجع أصل الوجود إلى الثبات.
كيف تكون الخطابة، التي تسمح بقول الشيء ونقيضه وإقناع الغير بهما علم العلوم أو خير ما يعبر عن الحقيقة؟
وكيف تكون الخطابة أسلوبا بلاغيا تبلغ الغاية النهائية وهي الإقناع؟
وما هي الآليات التي رافقت الخطابة عند السفسطائيين لآداء وظيفتهم الحجاجية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى