مرايا الإنكسارات:رحلة إلى النص الأخير/للأديب الأردني محمد خالد النبالي

“مرايا الانكسارات: رحلة إلى النص الأخير”
في زوايا الوجود حيث تتعانق الأضواء مع ظلالها، يتراقص الزمن كعازف قديم على أوتار الذاكرة، يرسم لنا واقعًا لا يراه إلا المتجولون في دروب النفس. عندما تعصف بالروح ريحٌ عاتية، يسكت الكلام وتصبح الكلمات عصفًا في فراغ لا يسعف القلب بمعانيها.
كان النص الأخير تنبؤًا مؤجلاً، وصفحةً من ضوء تُكتب بأقلام الأمل واليأس معًا؛ حيث يصبح الحبر سائلًا من العواطف المتراقصة، تتدفق لتغمر العقل كبحرٍ متلاطمٍ بأمواج الغموض. كل عبارة منه كانت بمثابة غيمة عابرة، تحمل فوقها رسائل من الماضي، وتغسل في طياتها أصداء الذكريات. وكأن الكلمات تجلس في حلقات ضوء، تتبادل النظرات كالنجوم المعلقة في سماء لا نهاية لها، تتوارى خلف سحب الحزن والفرح على حد سواء.
كان يبصر في الأشياء ما لا تُبصره العيون، ويجمع بين المتناقضات كعازف البيانو الذي يمرر أنامله على مفاتيح الحزن والسعادة في لحنٍ لا يتكرر. في كل جملةٍ تحمل معاني متعددة، تتشابك رموز العزلة والتواصل، ليبقى المعنى عالقًا في شبكة العلاقات، كقصائد غير مكتملة تبحث عن قلوب تفهم دلالاتها. وقد يظهر النص الأخير كمرآة مشوشة، تعكس عمق الروح البشرية، التحولات الحادة بين الأمل والخيبة، كالغيم الذي يوشك أن ينفس عن غضبه بقطرات حنان، قبل أن يتلاشى في الأفق.
ضوءه يتلألأ في ظلام التفكير، محاولًا إنقاذ الفكرة من غرابتها، واستحضار الجمال حتى في تلك السقطات المزعجة. ومع وصولنا إلى نهايته، يتجلى المعنى في بساطته الماكرة، فكل نهاية تحمل في طياتها بذور بداية جديدة، حيث يتعانق الفراق واللقاء في رقصةٍ أبدية. وكأن النص الأخير، في عمقه، يصرخ بأن كل حضارة تحتاج إلى الانكسار لتنهض من جديد، وكل روح بحاجة إلى غياب لتستطيع اكتشاف جمال البقاء.
بذلك، يبقى النص الأخير، ليس نهاية قصة، بل بداية حكاية جديدة تتجدد في عتمات الوجود، تتهادى في قلوب من يجرؤون على القراءة بين السطور.
#محمد_النبالي