قراءة نقدية من إنجاز فاطمة عبدالله لرواية” ياسمين سومري”/ للأديبة سمر الديك

قراءة نقدية من إنجاز فاطمة عبدالله لرواية ‘ياسمين سومري” للأديبة سمر الديك.
#عنوان القراءة النقدية: الاغتراب والتمرد في رواية “ياسمين سومري”: قراءة نفسية-رمزية في تحولات الذات الأنثوية
#Alienation and Rebellion in the Novel “Yasmin of Sumer”: A Psycho-Symbolic Reading of the Transformations of the Feminine Self
# الاستنطاق التمهيدي
( Preliminary Interrogation)
ما الذي يحدث لتحولات الذات الأنثوية حين تحاصرها ثنائية القمع والمنفى؟ وكيف تعيد المرأة كتابة هويتها في سياق الفقد والتشظي؟
تنطلق هذه القراءة من فرضية أن الرواية النسوية الحديثة لا تكتفي بسرد الحكاية، بل تنخرط في تفكيك بنى السلطة وتمثيل الذات من خلال الرموز واللغة. وفي هذا الإطار، تسعى القراءة إلى تحليل رواية “ياسمين سومري” من منظور نفسي-رمزي، مستنيرة بمفاهيم جاك لاكان حول الفقد وتكوين الذات، وإدوارد سعيد في تأملاته حول المنفى، وجوليا كريستيفا في نظرياتها عن الكتابة النسوية كفعل مقاومة.
تتناول القراءة تحولات الذات الأنثوية داخل الرواية بوصفها تجربة وجودية تتقاطع فيها الجوانب النفسية والاجتماعية والسياسية، معتمدة على أدوات التحليل السيميائي والنقد النسوي، بما يكشف عن عمق التوترات الداخلية للبطلة في مواجهة واقع متشظٍّ من القمع و الحرب، والمنفى.
رمزية الياسمين وتفكيك الهوية
(The Symbolism of Jasmine and the Deconstruction of Identity )
مقاربة تأويلية في جدلية الطهر والمنفى تشكل رواية “ياسمين سومري” نصاً سردياً مركباً، يجمع بين البعد الرمزي، النفسي، الاجتماعي والسياسي. منذ العنوان، تظهر الرمزية المزدوجة: “ياسمين” يحيل إلى النقاء والجمال، و”سومري” إلى الجذور الحضارية العريقة. وتستخدم زهرة الياسمين بشكل مكثف داخل النص لتجسيد الحنين والانكسار الداخلي. تقول الساردة: “كلما تنشّقتُ رائحة الياسمين شعرت بشيء في داخلها ينكسر… هل هو الحنين أم الخوف؟”
سيرة الذات المكسورة و الفقد بوصفه منشأً لتمرد الذات الأنثوية
( The Fractured Self : A Psychobiographical Narrative and Loss as the Genesis of Feminine Self-Rebellion)
ترسم رواية ياسمين سومري ملامح البطلة هيفاء من خلال صدمة أولى متمثلة في غياب الأب، وهي لحظة مفصلية تفجر تصدع الذات نفسياً ورمزياً. ووفقاً لتصور جاك لاكان عن «الافتقاد الأبدي» (manque-à-être)، فإن هذا الغياب لا يُقرأ كحدث مادي فحسب، بل كشغور داخل الحقل الرمزي (le Symbolique) حيث يتجلى الأب كضابط للغة والنظام الاجتماعي. وفي ظل هذا الغياب، تفقد الذات إمكانية تأطير حكايتها ضمن منظومة الانتماء، فتتحول طفولة هيفاء من حالة انسجام إلى تشظٍ داخلي عميق .
«اختفى والدها من حياتها… لقد تحول عالم طفولتها الجميل إلى عوالم كثيرة من الحزن والخراب».
يتفاقم هذا النقص البنيوي، بحسب لاكان، عندما يقارن بالسياق الثقافي العربي الذي تكثف فيه السلطة الذكورية حضورها من خلال صور متعددة كالأخ والمجتمع، ما يعمق الشرخ النفسي لدى هيفاء ويحولها إلى ذات مهشمة تبحث عن خلاص. وهنا تبرز آليات السرد بوصفها أدوات تحليلية ترصد هذا التصدع عبر تقنية التناص والتكرار الرمزي لحضور الأب الغائب، وهو ما يعيد تشكيل التجربة بوصفها محاولة لترميم الذات واستعادة الرموز المفقودة، كما في دلالة زهرة الياسمين على النقاء الضائع.
في هذا الإطار، يتحول الفقد من كونه جرحاً فردياً إلى نقطة انطلاق لتفكيك البنية الأبوية والخروج من سلطة الغياب، إذ تستثمر البطلة الألم في التمرد اللغوي والوجودي، مستندة إلى رؤية لاكان عن «الموضوع المشقوق» (le sujet divisé)، لتعيد بناء هويتها على أساس أنثوي بديل يتجاوز القمع ويعيد امتلاك السرد.
الكتابة بوصفها خلاصاً مزدوجاً: للبطلة و للقارئ
(Writing as a Dual Redemption: For the Protagonist and the Reader)
لا تقف الرواية عند حدود تصوير الكتابة كوسيلة للخلاص النفسي للبطلة، بل تفتح أفقاً أوسع تتجاوز فيه التجربة الفردية إلى أثر تفاعلي يتغلغل في وعي القارئ ذاته. فالنص، وهو يسائل السلطة والهوية من داخل الجرح الأنثوي، يمارس فعلاً علاجياً مزدوجاً: يعيد للبطلة بعضاً من تماسكها الداخلي، وفي الوقت ذاته يتيح للقارئ – خصوصاً القارئ/ة المنخرط/ة وجدانياً – أن يرى ذاته متجسدة في مرآة الحكاية.
بهذا المعنى، تتحول الكتابة إلى مساحة تطهيرية (Cathartic Space)، لا تنفذ الذات من التمزق فحسب، بل تقدم للقارئ فرصة للتماهي، والمساءلة، وإعادة التشكيل. وهنا تلتقي الرواية مع أطروحة جوليا كريستيفا حول الكتابة بوصفها فعلاً شفائياً، حيث تصبح اللغة نفسها معبراً نحو تفكيك الألم، وإعادة قولبته ضمن رموز قابلة للتأويل الاحتواء.
وتبدو عبارة الساردة: “الكتابة هي عزاؤك الوحيد… تصالحي مع ذاتك مادامت هي الشيء الوحيد الذي لن يستطيع القدر أن يسلبه منك”، وكأنها لا تخاطب البطلة فقط، بل تنفتح بوظيفتها العلاجية على القارئ الذي يجد في الحكاية أفقاً لتفسير تجربته الوجودية الخاصة، ونافذة لإعادة إنتاج ذاته من بين شقوق اللغة والرمز. وهكذا تتحول “ياسمين سومري” من كونها حكاية أنثوية خاصة، إلى نص تشاركي يعيد للكتابة مكانتها كفعل وجودي وجمالي يضمد الشرخ ولا يدعي رأبه .
باريس بوصفها مدينة الاغتراب الداخلي
(Paris as a City of Internal Exile)
جدل الخارج والداخل في وعي المنفية يتجلى المنفى في الرواية كحالة اغتراب داخلي عميق، لا مجرد مكان جغرافي. “ولكن أية سعادة هذه وبلادك ترزح تحت نير القوة الغاشمة؟” تقول هيفاء في لحظة مواجهة وجودية. وهنا يُستحضر قول إدوارد سعيد: “المنفى ليس فقط فقداناً للمكان، بل هو تمزق في الذات”.
البنية السردية المركبة: تفكيك الزمن وتعدد الأصوات في سرد اعترافي حالم
(The Complex Narrative Structure: Fragmented Time and Polyphonic Voices)
تقوم الرواية على بنية غير خطية، تستعمل تقنية الاسترجاع الزمني (flashback) ما يعكس تداخل الأزمنة في وعي الشخصية. يظهر ذلك بجلاء في استرجاع البطلة “هيفاء” لحدث مفصلي من طفولتها، حيث تقول الرواية:
«لم تغادر ذاكرة هيفاء تلك الليلة الشتائية الباردة، ولم يغادرها ذلك الصراخ والعويل اللذين حولا ذاك الصباح إلى كابوس مرعب ظل يرافقها مدى الحياة…»
في هذا المقطع يتجسد تراكب الزمن النفسي والزمن الواقعي، بما يكشف عن الجرح التأسيسي الذي يظل فاعلاً في بناء وعي الشخصية. كما تفعل الرواية تعدد الأصوات (Polyphony)، خاصة من خلال شخصيات نسائية متقاطعة، تكسر بها سلطة الصوت الأحادي، و يضفي بذلك طابع اعترافي وتحليلي على السرد.
وإذ تتداخل الأزمنة وتتعدد الأصوات في البنية السردية، تبرز داخل هذا التشظي السردي رموز مركزية تمنح المتن تماسكا دلاليا، لعل أبرزها يتجسد في شخصيتي “رجل الياسمين” و”دفتر كريم”، اللتين تؤديان دوراً رمزياً في ترميم الانقسام النفسي واللغوي، وفي بناء جسر تواصلي بين الأنا المجروحة والعالم المتصدع.
البنية الأسلوبية: بين الشعرية والتكثيف الرمزي
(Stylistic Architecture: Between Poetic Language and Symbolic Density)
تنهض رواية “ياسمين سومري” على أسلوب لغوي كثيف، يتداخل فيه المجاز مع الصورة الحسية، ليمنح النص إيقاعاً داخلياً يتماهى مع توتر الشخصيات وتشظيها. تعتمد الكاتبة على جمل قصيرة في لحظات الارتباك والانكسار، مقابل مقاطع مطوّلة تتسم بإيقاع انسيابي في لحظات التأمل أو الاستذكار، ما يضفي تناغماً بين بنية الجملة وبنية الشعور.
تُستثمر الاستعارات بشكل فني يبتعد عن المباشرة، فزهرة الياسمين مثلاً لا توظف كرمز تقليدي للنقاء فحسب، بل تتجاوز وظيفتها البلاغية إلى دلالة شعورية مركبة تجسد الانكسار والحنين. تقول الساردة: “كلما تنشّقتُ رائحة الياسمين شعرت بشيء في داخلها ينكسر…”، وهي عبارة تجمع بين الإحساس الجسدي والرنين العاطفي في لحظة واحدة، ما يخلق تواطؤاً جمالياً بين اللغة والمحتوى النفسي.
كما تتكثف الصور البصرية واللمسية لتجعل الجسد الأنثوي فضاءً لتجربة الوجود والمنفى، فتغدو اللغة في الرواية ذات طابع حسيّ مشبع، تمتزج فيه المجازات الحسية مع الانزياحات الأسلوبية، مما يقرّب النص من الشعر النثري أكثر من كونه سرداً تقليدياً. ويلاحظ تواتر الأفعال الداخلية (شعرت، خفت، تنشقت ، تنفّست، تساءلت) التي تكشف عن توجه introspective عميق، يحول النص إلى مرآة داخلية.
بهذا الأسلوب، لا تكتفي الرواية بنقل تجربة الأنثى، بل تمارس عبر لغتها فعل تفكيك وإعادة تشكيل لتلك التجربة، حيث تصبح اللغة ذاتها موضوعاً للمعاناة والتحرر. ومن هنا، تحقق الرواية ما يشبه “الكتابة الجمالية المقاومة”، التي لا تنقل الألم فقط، بل تعيد كتابته كفعل فني متكامل.
رجل الياسمين ودفتر كريم: ترميز الذكر بوصفه جسر نجاة أنثوي في سرد أسطوري
(The Jasmine Man and Karim’s Notebook: Masculinity as a Mythical Bridge to Feminine Salvation)
في سياق البنية السردية المركبة للرواية، تبرز شخصية “رجل الياسمين” و”دفتر كريم” بوصفهما عنصرين رمزيين يعيدان تشكيل العلاقة بين الذات والآخر، ويمثلان امتداداً للحوار الداخلي الذي تخوضه البطلة في مواجهة الفقد والتشظي. إذ يشكل رجل الياسمين تجسيداً للأمل والكتابة الخلاصية، بصفته رمزاً للتواصل الإنساني المتجاوز للفقد، ووسيطاً بين الذات المجروحة والعالم الخارجي ،وفي لحظات الانكسار النفسي، تلجأ البطلة إلى استحضاره ككائن حلمي يمنحها الإحساس بالاحتواء، حيث تقول الرواية:
«تقص عليه حكاياتها التي لا تنتهي مع الظلام، والاضطهاد، والخوف، وهو يستمع إليها بخشوع كعابد في محراب المعشوق…»
في هذا السياق، لا يمثل الرجل هنا حضوره الفيزيائي بقدر ما يتجلى كرمز للمعنى، وكحالة من الأمان المتخيل الذي تلجأ إليه البطلة اتقاءً لعنف الواقع، في حين يُعد “دفتر كريم” علامة رمزية مركبة، تستبطن أبعاداً سيميائية ونفسية في آن، ويحلل وفق مقاربات غريماس وبارث، باعتباره “موضوعاً انتقالياً” يمنح وهم الاكتمال والاستمرارية رغم الانقطاع.
يعمل هذا الدفتر، وفق رؤية لاكان، كأداة رمزية تربط بين الغياب والحضور، وبين الذات والآخر، في محاولة لترميم الانقسام الداخلي الذي تعانيه هيفاء. وعلى الصعيد البنيوي، يتكرر حضور الدفتر في لحظات مفصلية من السرد، ما يجعله عنصراً رابطاً يضفي على الرواية وحدة داخلية رغم طابعها غير الخطي. وبهذا، لا تأتي الرموز هنا بوصفها زينة سردية، بل تؤسس لبنية دلالية عميقة تتقاطع فيها النفس الفردية مع الجماعة، ويتحول الذكر (في تجليه الرمزي) من كونه موضعاً للسلطة إلى جسر نجاة أنثوي يعيد للبطلة شيئاً من توازنها السردي والوجودي، وهو ما يعكس منحىً تأويلياً يثري شبكة الرموز في النص، ويمدها بجذور جديدة تمتد في عمق التراجيديا الفردية والجماعية.
الكتابة ككفن رمزي: الموت، اللغة، والبحث عن خلاص وجودي
(Writing as a Symbolic Shroud: Language, Death, and Existential Redemption)
ينتهي النص بموت الشخصيتين الرئيسيتين ودفن “دفتر كريم” معهما، ما يحول الكتابة إلى فعل أسطوري للنجاة، تتجاوز فيه الحكاية حدود الزمن والموت. تكتسب الكتابة هنا طابعاً وجودياً عميقاً، حيث يقول السرد: “دفتر كريم ظل مفتوحاً، وكأن الحكاية لم تنتهِ بعد.” وفي مشهد دفن الحبيبين، تشير الراوية: “وعلى قبريهما تم زراعة شجيرات ياسمين، كان كريم يحتفظ بها معه منذ أن جاء إلى هذا المكان، لقد كانت بذور ياسمين سومري عطره لا يشبه عطر أي ياسمين… فإذا فرّقت الحياة ما بينهما في يوم ما، فها هو الموت يجمعهما مرة أخرى.”
في هذا المشهد المفعم بالشاعرية، تتحول الطبيعة إلى حاضن رمزي للحب واللغة والذاكرة، ويغدو الموت فعلاً تأويلياً لا ينهِ القصة، بل يخلدها ضمن فضاء أسطوري، تروى فيه الحكاية عبر رموز الياسمين والدفتر والغياب. وهكذا، تصبح الكتابة كفناً رمزياً يلف الجسد والروح معاً، ويمنح الحكاية بُعداً أبدياً يقاوم الفناء .
“ياسمين سومري” بين صوت الذات وصوت الجماعة: مقاربة مقارنة في السرد النسوي العربي
(Yasmin of Sumer” Between the Voice of the Self and the Voice of the Collective: A Comparative Perspective on Arab Feminist Narrative)
تشترك رواية “ياسمين سومري” مع عدد من النصوص النسوية العربية، مثل “ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي، و”امرأة عند نقطة الصفر” لنوال السعداوي، في تفكيك علاقات الهيمنة الذكورية وتعرية البنى السلطوية، غير أنها تتميز عنها بكثافة رمزية وحس شعري داخلي أقرب إلى أعمال غادة السمان، حيث يعاد تشكيل الألم عبر ترميزات لغوية وانزياحات أسلوبية.
وتتجلى فرادة الرواية في انتمائها إلى تيار الكتابة النسوية الوجودية، حيث لا تُطرح قضايا المرأة ضمن إطار اجتماعي سطحي، بل تُستكشف في عمقها كصراع وجودي بين الجسد، الوطن، والمنفى. وبهذا، تلتقي “ياسمين سومري” مع روايات مثل “بدت السماء قريبة” لبتول الخضيري من حيث معالجة المنفى كمساحة شعورية، لكنها تتفوق في البناء الرمزي والبعد النفسي.
وبينما تعتمد السعداوي في نصها خطاباً مباشراً، تذهب “ياسمين سومري” نحو ترميز القهر وتغليف التجربة المأساوية بشاعرية داخلية، تجعل من اللغة نفسها مساحة للتفكك وإعادة التشكيل. وإذا كانت “ذاكرة الجسد” تعيد تمثيل العشق في سياق النكسة الوطنية، فإن “ياسمين سومري” تُسائل الحب بوصفه مرآة لفقد أوسع، ينتهي بالموت لا بالنجاة، يتحول إلى شاهد على تراجيديا جماعية لا تنغلق.
من السيرة الفردية إلى التراجيديا الجماعية نحو تمثيل للأنثى بوصفها أيقونة مقاومة
(From Individual Biography to Collective Tragedy: Representing Woman as a Symbol of Resistance)
لا تظل المعاناة في الرواية شخصية، بل تتحول إلى تجربة نسوية جماعية. تمثل هيفاء نموذجاً وجودياً للمرأة العربية التي تصارع القمع والمنفى والفقد. وتمنح الرواية صوتاً جديداً للأنثى في زمن الانهيار، حيث تتحول اللغة إلى وسيلة خلاص نفسي وجمالي.
(The Tragic Climax of the Novel)
وبين التحليل والتأويل، تتجسد الذروة التراجيدية للرواية بوصفها خاتمة مفتوحة على الاحتمال والمعنى:
يتحقق الحب في الرواية في لحظة الموت لا في الحياة، حيث يُدفن الحبيبان تحت شجيرات الياسمين، ليكرسا اللقاء الأبدي خارج الزمن. يتحول الموت هنا إلى فعل خلاص شعري، والكتابة – ممثلة في “دفتر كريم” – إلى موضوع رمزي مفتوح، كما لو أن الحكاية لم تروَ كاملة بعد. في هذا السياق، يصبح الياسمين شاهداً حياً على تجربة لا تنغلق، ويكتسب النص طابعاً أسطورياً، تتقاطع فيه ثنائية الحب والفناء. وبهذا، تنسجم نهاية الرواية مع تصور رولان بارت حول “النصوص التي تقاوم الإغلاق”، فتتحول “ياسمين سومري” إلى نص تأويلي لا نهائي، يحتفي بالكتابة بوصفها مقاومة، وباللغة كأفق للنجاة والخلود.
وبالتالي تكشف رواية “ياسمين سومري” عن مشروع سردي نسوي متكامل، يعيد تشكيل الذات الأنثوية بوصفها كينونة منقسمة تبحث عن المعنى في سياق الاغتراب والفقد. ومن خلال توظيف الرموز، والانخراط في كتابة تعبيرية تنهل من النفس والتحليل النفسي، تنجح الرواية في تقديم خطاب وجودي يتجاوز سرد المعاناة إلى مساءلة بنيات السلطة والهوية واللغة. تتقاطع الرؤية السردية مع مفاهيم لاكان عن التشظي، وكريستيفا عن الكتابة كفعل تحرر، وإدوارد سعيد عن المنفى كتمزق داخلي، ما يمنح النص أبعاداً تأويلية تتجاوز سطح الحكاية إلى بنية رمزية معقدة.