فيزا جواد ظريف إلى أوروبا والمفاوضات النووية

جواد ظريف ، دبلوماسي ايراني محترف وذو تجربة عميقة جديرة بالتأمل في السياسة الايرانية ، بذل جهدا خارقا من اجل تمهيد الاجواء لبدء مفاوضات جديدة بين ايران وامريكا.
في الانتخابات الرئاسية ، كان ظريف هو ذراع بزشكيان اليمنى ومستشار حملته الرئاسية وهو الذي كان يخطط له كل مسار الحملة وكذلك هو الذي كان يتحدث عن ان نجاح بزشكيان هو الامل للذهاب الى مفاوضات امريكية ايرانية جديدة حول الملف النووي والعقوبات الاقتصادية.
نجح بزشكيان ، فتواصل ظريف مع الامريكان ، في فترة ما قبل الطوفان ، لكي يمهد الطريق لمفاوضات جديدة مع ادارة بايدن، ولكنه وفق تصريحه الذي قاله في مؤتمر دافوس النسخة الماضية ( الطوفان قام قبل يومين من الموعد المتفق عليه لبدء المفاوضات مع الامريكان وقد تسبب ذلك في ضياع كل شيئ)
بطبيعة الحال تأجلت المفاوضات ولم يضيع شيئ حسب تصريحه ” الذي حاول من خلاله ان يضخم من تأثير الطوفان السلبي على حكومة بزشكيان ومسار التفاوض الذي كان يجهز له مع الديمقراطيين”.
ظريف معروف في الاوساط الاصولية واوساط الحرس الثوري وحتى في بين بعض الاصلاحيين بانه يتبع ” عصابة نيويورك” .. وذلك لانه عاش في نيويورك كثيرا ودرس هناك هو وزوجته مريم ايمانية وهي التي تزوجها وكان عمرها سبعة عشر عاما وهو كان عمره تسعة عشرة عاما.
عاش في نيويورك واشتغل بعد ذلك في قنصلية ايران في نيويورك ودخل باب الخارجية الايرانية من الباب الفوقي ” باب قنصلية ايران” ولذلك ينظر له في دولاب الخارجية الايرانية بأعتباره الوافد من الطرق غير التقليدية للعمل في الدبلوماسية الايرانية.
بذل جواد ظريف جهدا كبيرا بعد وصول ترامب ولم يتراجع عن هدفه بتهيئة الاجواء لبدء مفاوضات مع الامريكان ، ورغم انه يتمتع بعلاقات قوية بالديمقراطين على عكس الجمهوريين ، الا انه من خلال دوره استطاع تمرير رسائل الى ادارة ترامب الجديدة للوصول الى صيغة تسمح ببدء التفاوض
بطبيعة الحال ، ظريف لا يتحرك من تلقاء نفسه ولكنه كان احد الاطراف الفاعلة في المفاوضات الايرانية ، لكن التيار الثوري ومحسوبين على التيار الاصولي القابعين في سدة الحكم في ايران ، انتصروا في النهاية عليه.
بينما يتحرك جواد ظريف للوصول الى نقطة تلاقي مع الامريكان تخص التفاوض النووي ، فلم يكن التيار الثوري ومحسوبين على التيار الاصولي يريدون ان يحسب لظريف نجاحه في ملف المفاوضات النووية
تم تفجير ازمة حصول ابناءه على الجنسية الامريكية ، وهو حسب القانون الذي قدمته حكومة ابراهيم رئيسي الى البرلمان الايراني في عام 2022 يمنع على اي شخص ايراني يحمل الجنسية الاجنبية او يحمل اولاده او بعض اولاده الجنسية الاجنبية ” الغربية”، ان يتولى منصبا حساسا في الحكومة الايرانية
حاول بزشكيان ان يقفز على هذا القانون وتذرع بأن منصب ظريف الذي استحدثه بزشكيان في الحكومة وهو ( نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية) منصب جديد وليس قديم وبالتالي لا يسري عليه القانون!
وبالفعل استمر ظريف في منصبة بضعة شهور ، لكن وفي اجواء تسريب الاعلام الامريكي ان ترامب ارسل رسالة الى ايران يعرض فيها رغبته في التفاوض حول الملف النووي، وقد ابلى ظريف وفريق الخارجية الايرانية برئاسة عباس عراقجي وزير الخارجية بلاءا حسنا في ذلك.
تم الضغط في البرلمان الايراني على ظريف للاستقالة من منصبه، وكذلك في المشهد السياسي مع وابل من الاتهامات اليومية والانتقادات حتى بات وجود ظريف في الحكومة الايرانية صداعا كبيرا لبزشكيان
وفي الثاني من مارس ٢٠٢٥ استدعى رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، جواد ظريف وابلغه بالقرار ” في شكل نصيحة” بأن عليه ان يتفرغ للعمل الاكاديمي ويترك الحكومة
بالمناسبة رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي هو شخصية اصولية عتيدة تولى المنصب الحالي بعد ابراهيم رئيسي ، الذي كان يشغل نفس المنصب ثم تركه للترشح لانتخابات الرئاسة الايرانية.
استقال جواد ظريف ولكن بتكليف من مكتب خامنئي ، طلب خامنئي من فريق الخارجية الايرانية ان يجتمعوا مع الرئيس الايراني الاسبق حسن روحاني في مكتبه وبحضور جواد ظريف من اجل الاستفادة من التجربة السابقة والاستعداد للتجربة الجديدة في التفاوض مع الامريكان.
وبالتالي حضر جواد ظريف الاجتماع بصفته المفاوض السابق في تجربة ٢٠١٥ وكذلك لكي يقدم خبرته وتجربته لرجال المفاوضات الجديد، لكن لم يتم ضم ظريف لا رسميا ولا بشكل غير رسمي لفريق التفاوض ولا حتى كمستشار غير رسمي للفريق.
ما قصة الفيزا؟
اتفق جواد ظريف وبزشكيان قبيل الاستقالة مباشرة ان يقوم بجولة اوروبية يزور فيها دول الترويكا وبعض الدول الاوربية الاخرى لشرح موقف ايران من المفاوضات.
وكذلك لطمأنة الجانب الاوروبي من التفاوض الاقتصادي بالذات لحرص اوروبا على ان يكون لها نصيب في الملف الاقتصادي ليس بالقليل، وكذلك يضمن تأييد الجانب الاوربي لتحركات ايران في تفاوضها مع الامريكان.
لكن
مع استقالة ظريف ، تم ابلاغه بالغاء الجولة الاوربية لان الاوربيين لن يستقبلوه لانه اصبح بغير صفة رسمية في الحكومة الايرانية ، ليعود لتدريس مقرر العلاقات الدولية في جامعة طهران
دون أن يتخلى عن ضحكته التي يتفرد بها في عالم السياسة الايرانية