يسري فوديه يكتب :الجوهر الفلسفي لحرب ترمب وحوارييه على أمريكا والعالم

يخطئ البعض فيظن أن ترمب “عدمي” بالمفهوم الفلسفي للكلمة؛ أي أنه مفرغ من القيم، لا يجد حرجًا في استخدام أي شيء في طريقه إلى التفوق الشامل. الأقرب إلى الواقع هو أنه “انتهازي” يستغل لحظة من “العدمية” في أمريكا والعالم حيث يسود اليأس الأخلاقي والارتباك الثقافي من أجل زرع نظام أخلاقي مضاد لليبرالية، وهو ما يرى فيه كثير من حوارييه شفاءً من العدمية نفسها.
في القرن التاسع عشر، قدم الفيلسوف الألماني، نيتشه، تحليلًا عميقًا للعدمية وطرق علاجها. بالنسبة له هي مأزق معقد يجد المجتمع نفسه فيه حين يفقد إيمانه بقيمه، وحين تتداعى أسس الأطر الأخلاقية السائدة لأسباب مختلفة. ومن أبرز أعراضها انتشار القلق والارتباك واليأس والغضب.
وفي رأي نيتشه أن الأفراد “البطوليين” الذين يتجسدون إرادة السلطة هم فقط من يستطيع مواجهة العدمية بنجاح عن طريق تمزيق القيم المتداعية وزرع قيم أخرى في مكانها. بعبارة أخرى: كل العادات والمعتقدات التي لا تخدم الحياة ينبغي تدميرها وإزالتها من الطريق. السلطويون من نوع بوتين مثلًا يعلمون هذا جيدًا.
تسحب مجلة Prospect البريطانية هذا المعنى على ترمب وحوارييه فتلاحظ أن أمثال ستيف بانون ومايكل أنطون يرون في الواقع الأمريكي المعاصر صراعًا بين ليبرالية عدمية ضعيفة متداعية، من ناحية، ويمين سلطوي بطولي مخول بإعادة بناء ثقافة جديدة من القوة والتجدد.
بهذا المعنى، العدمية بالنسبة لهم هي المأزق، والليبرالية هي العدو الذي يحتقرون احتفاله بالحقوق الفردية والتعددية والمساواة لأنهم يريدون مجتمعًا “قومجيًا” مبنيًا على القوة والقيم التقليدية والتراتبية. وفي سبيل تحقيق هذا يدركون أن من الصعب في عالم اليوم الصغير تحقيق هذا في أمريكا وحدها، ومن ثم لابد لهم من إعلان الحرب على كندا الليبرالية وعلى أوروبا وبقية العالم.
سيشرح لك هذا لماذا قرر ترمب تدمير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID رغم أن ميزانيتها، التي تنقذ الملايين حول العالم من الهلاك، لا تمثل إلا قشرة من الاقتصاد الأمريكي. هي في رأيهم مرتع للأصولية اليسارية، “شريرة” على حد قول إيلون ماسك. مثلما سيشرح لك هذا إعلان ترمب وحوارييه حربًا شاملة على كافة المؤسسات الراسخة في بلادهم، بما فيها الجامعات والقضاء والبنك المركزي ومراكز الفكر والإعلام وغيرها.
وسيساعدك هذا كله على فهم لماذا حرب الجمارك التي شنها على كوكب الأرض كأداة هامة في الطريق إلى ذلك. مثلما سيساعدك على فهم لماذا أهدى بوتين صديقه ترمب هذه اللوحة من صنع فنان روسي.