رؤي ومقالات

د.أحمد السيد النجار يكتب :مصر أم السعودية.. من يحقق الناتج الأكبر في المنطقة العربية؟

يشير البعض إلى أن اقتصاد السعودية هو الأكبر في المنطقة اعتمادا على حسابات الناتج المحلي الإجمالي المحسوب على أساس سعر الصرف السائد، وهو بالفعل الأكبر وفقا لتلك الحسابات وبفارق كبير عن نظيره المصري. لكن تلك الحسابات غير واقعية ولا تعكس القيمة الحقيقية للناتج، حيث يؤدي تقييم العملات بأسعار بعيدة عن سعرها الحقيقي والمثالي القائم على تعادل القوى الشرائية بينها والعملات الأخرى، إلى نتائج غير واقعية بالنسبة لحجم الاقتصاد. ومن الأمثلة على ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي لبلد مثل إسبانيا بلغ 484 مليار دولار عام 1994، وفقا لسعر الصرف السائد، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الصيني العملاق في الحقيقة نحو 400 مليار دولار فقط في العام نفسه، لأن الصين خفضت سعر صرف عملتها المنخفضة أصلا عن قيمتها الحقيقية، فارتفع الدولار أمام اليوان مجددا بنسبة 50% في ذلك العام، وانخفضت قيمة الناتج الصيني مقدرة بالدولار وفقا لسعر الصرف بنسبة الثلث. أما الحقيقة فهي أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين وفقا لتعادل القوى الشرائية، كان أكبر من ثلاثة أمثال نظيره الإسباني في العام 1994. وبحسابات مباشرة لقيمة الناتج من السلع الزراعية وحدها في الصين بناء على أسعارها في بورصات السلع، فإن الناتج الزراعي الصيني وحده، كان يعادل الناتج المحلي الإسباني كله تقريبا عام 1994.
إذن وبوضوح، فإن الناتج المحلي الإجمالي المحسوب بالدولار وفقا لسعر الصرف السائد هو ناتج مزيف. والناتج الحقيقي المعبر عن حجم إنتاج الاقتصاد من السلع والخدمات هو الناتج المحسوب بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية.
وتعاني مصر من زيف النتائج الخاصة بقيمة الناتج، مقارنة بالبلدان الأخرى، بسبب قيام الحكومة محدودة الكفاءة بتخفيض سعر صرف العملة المصرية لمستويات قياسية لا علاقة لها بقيمتها الحقيقية، وذلك تحت ضغط الدول الدائنة ووكيلها المتمثل في صندوق النقد الدولي لجعل سعر الأصول والسلع والخدمات في مصر رخيصا عند تقديره بعملات تلك الدول، بعد أن ورطت تلك الحكومة مصر في ديون هائلة، وأوغلت في الاستدانة قصيرة الأجل شديدة الخطورة التي ما كان ينبغي الاقتراب منها، فوصل سعر صرف الدولار إلى نحو 50 جنيها، بينما يبلغ سعر صرفه المبني على تعادل القوى الشرائية نحو 6,2 جنيه فقط وفقا لقاعدة بيانات صندوق النقد الدولي (أبريل 2025).
وبناء على الحسابات الحقيقية، ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي في قاعدة بيانات تقريره المشار إليه آنفا، فإن الناتج المحلي الإجمالي المقدر بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية عام 2024 بلغ في مصر نحو 2227 مليار دولار، مقارنة بنحو 2109 مليار دولار للسعودية. وتشير تقديرات الصندوق في نفس التقرير إلى أن مصر ستوسع الفارق مع السعودية، حيث من المقدر أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي المصري وفقا لتعادل القوى الشرائية نحو 2372 مليار دولار في العام الحالي (2025)، مقارنة بنحو 2230 مليار دولار للسعودية. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي طويلة الأجل إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المصري المقدر بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية سيبلغ 3333 مليار دولار عام 2030، مقارنة بنحو 2902 مليار دولار للسعودية. والمسألة ليست مقارعة بين الدولتين فالطبيعي أن تكون المقدمة لمصر الأكبر سكانيا والتي بدأ اقتصادها مسار التطور والتحديث في المنطقة قبل قرنين من الزمان، ولولا الحروب والفساد وسوء الأداء والإدارة الاقتصادية في بعض الفترات، لكان لاقتصاد مصر شأن آخر لا يقارن باقتصادات المنطقة أصلا. وهذا لا ينفي أن السعودية بصادراتها العملاقة من النفط ومنتجاته، تمكنت من تقليص الفجوة مع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر، بل وتجاوزته حتى وفقا لتعادل القوى الشرائية في بعض السنوات. لكنها عادت تدريجيا لتشغل المرتبة الثانية بناء على الناتج المقدر بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية، مع احتفاظها بالمركز الأول وفقا لقيمة الناتج بالدولار على أساس سعر الصرف السائد، وتخطيطها في الاتجاه الصحيح لتنويع هيكل الاقتصاد وتقليل اعتماده على ريع الثروة النفطية الهائلة.
وللعلم فإن الفضل الحقيقي في زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر يعود للشعب وللقطاع غير الرسمي والقطاع التعاوني والقطاع الخاص بكل أحجامه. أما الحكومة فإنه إذا وضعنا التطوير الكبير للبنية الأساسية جانبا، أيا كانت الملاحظات على جودتها وطرق إسناد العمليات فيها، فإنها تتفنن في فرض وتحصيل الرسوم والضرائب ورفع أسعار الطاقة، وبيع أهم الأصول الإنتاجية المصرية الرابحة للأجانب، والاستدانة من الداخل والخارج!
تجدر الإشارة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لمصر في ذروة نهوضها عام 1965، بلغ وفقا لسعر الصرف السائد نحو 4550 مليون دولار، مقارنة بنحو 2300 مليون دولار للسعودية بكل صادراتها من النفط ومنتجاته، وفقا للبنك الدولي في تقريره عن التنمية في العالم 1990 (الطبعة العربية صـ 214، 215).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى