رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :شتائم بلون المديح

في نهاية حرب الرئيس ترامب الأنيقة الناعمة،
شتم القادة العرب بطريقة ملتوية فسرت على وجهها الظاهري. قال:
” إن مضيفينا العرب كانوا فعلًا عطشى للحب وقد قمت بتقديم هذه المحبة لهم”.
أي ان هؤلاء، قبل الغزو الناعم، كانوا بلا حب، ولولا الرئيس لما عرفوه أبداً. بمعنى أوضح: لظلوا أجلافاً وأفظاظاً غلاظ القلوب. كيف استطاع زرع الحب في قلوبهم في ساعات مع أن عملية زرع أسنان تستغرق شهوراً وعملية التخلص من عادة خارجية كالتدخين، وليست داخلية كالجلافة التي جزء من النسيج العضوي الجسدي والنفسي ، تتطلب شهورا بل سنوات وقد لا تنجح.
أية مشاعر وقلوب التي عاشت حياة جافة يابسة في انتظار المطر الرئاسي الامريكي الذي هطل عليهم مع كبار وعتاة مدراء شركات رأسمالية نهابة وخلال ساعات تغيرت المشاعر والاحاسيس؟
تلك العبارة بصياغة ملتوية هي عبارة الاديب الروسي تولستوي عن الثوار الذين اقتحموا سجن الباستيل الحصين في الثورة الفرنسية عام 1794 ــــ الثورة الفرنسية موجات ــــــــــ الذي كان الاعتقاد السائد، في نظام لويس السادس عشر ــــــــــ ولي العهد السعودي إشترى قصر لويس الرابع عشر بـــ 300 مئة دولار ـــــ انه غاص بالسجناء وكانت المفاجأة انهم لم يجدوا فيه سوى بضعة أشخاص هم:
مزوِّرين إثنين ومجنون وقاتل فاشل ونبيل منحرف والفيلسوف فولتير الذي كان فيه بسبب التحريض على الثورة.
مع ذلك تم هدمه في الأسابيع التالية لكن قادة كومونة باريس ومن بينهم روبسبير اقاموا المجازر وبلغ عدد من أعدموا حوالي سبعة آلاف تحت المقصلة لكن رفاقه إنقلبوا عليه وأعدم بالمقصلة.
قال تولستوي:
” إن الخطأ الفادح الذي إرتكبه الثوار الذين اقتحموا سجن الباستيل إنهم يفتقرون الى الحب”،
وتلك العبارة وجدت في دفتر يوميات البير كامو بعد وفاته في حادث سيارة مريب تعكس اعجاب كامو بحكمة تولستوي.
القلوب الفظة الخشنة لا يمكن ان تبني وطناً سويا ومعافى بل تفتح مجازر ، ومن دون أدنى شك أن ترامب ارتطم بتلك العبارة يوماً واعاد صياغتها على طريقته لكن المعنى نفسه،
وحتى لو لم يقرأ تلك العبارة ، فلن يغير الأمر شيئاً من ما خفي من الكلام.
ما الذي منع الزعماء العرب من الحب الذي ” اعطاه” ترامب لهم بسخاء؟ هل المال؟ القوة؟ الفقر؟ وهل الحب هدية تعطى في زيارة خاطفة؟ أم انه جزء جوهري من تصميم الانسان السوي والطبيعي؟
واذا كان هؤلاء” يفتقرون ” الى الحب، فإن المعنى المسكوت عنه في العبارة وغير المصرح به في منتهى القسوة. ماذا يحدث في قلوب تفتقر الى الحب؟
الحب والسلطة والرأسمالية والمؤسسة قضايا متناقضة ومتعادية: الحب الصافي لا هدف له ولا غرض سوى ذاته، في حين السلطة صفقات وأهداف وتسويات ومؤامرات ودسائس. بل السلطة تكره الحب لانه افتتان بريء بالآخر
في حين تحتاج السلطة الى أدوات وافتتان بها ومن يتذكرها ليل نهار ويخضع لها وهذا تعذيب والحب لا يخضع لغير قانونه الداخلي.
من جهته صرح وزير الخارجية القطري حرفياً:
” ما نقدمه لأمريكا بدافع الحب وليس مقابل أي شيء”.
ظهر ان القصة قصة غرام متبادل وليست قصة مال ونفوذ وسيطرة وحماية وقواعد عسكرية وحرق مدن العالم العربي.
لا ندري لماذا لم يقدم هذا الحب لشعوب عربية وشعب فلسطين خاصة الذي يباد علنا في وضح النهار، وشعوب تحولت بسبب الارهاب المسلح والدعم بالمال والسلاح والسياسة الى قطعان هائمة تبحث عن مكان آمن، حتى وصل الأمر في النهاية الى ” التهاوش على الفريسة” كما في تصريح رئيس وزراء قطر السابق عن سوريا، أي العراك والتنافس على سوريا حتى وصل الى مبتغاه ووقعت الفريسة.
هذا هو” الحب” حسب قاموس إستثنائي في زمن مقلوب المعايير حيث الخطاب أهم من الحقيقة ، والصورة أهم من الواقع بل هي الواقع الحقيقي، وفي مثل هذا العالم يصبح قول الحقيقة نوعاً من الزور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى