رؤي ومقالات

مقالة نقدية / للناقد العراقي القدير عبدالكريم حمزة عباس

المعروف للجميع أن مهمة الناقد الأدبي هي تحليل العمل الأدبي وذكر إيجابياته و سلبياته بأمانة وصدق دون التأثر بالعلاقة الشخصية بين الكاتب والناقد و بالرغم من علاقتي الشخصية الجيدة مع صديقي كاتب هذه المجموعة القصصية إلا أني سأذكر نقاط الضعف و السلبية في هذه المجموعة مع فائق إحترامي و تقديري لشخص الكاتب الموقر.

حين يتحول الوجع إلى صوت، لكنه لا يجد لغته الكاملة.
قراءة في المجموعة القصصية للكاتب عبد عبدالحسين العبيدي والموسومة (أغاني المقموع) :
تقدم مجموعة (أغاني المقموع) لعبد الحسين العبيدي مشروعًا قصصيًا يلتقط لحظات الانكسار الإنساني تحت وطأة القمع السياسي والاجتماعي، إنها مجموعة تصرخ أكثر مما تهمس، وتدين أكثر مما تحاور، وهذا بحد ذاته منحها طابعًا حادًا يعبّر عن روح كاتب مشبع بالاحتجاج والغضب. لكن، رغم صدق النبرة ووضوح الموقف، فإن المجموعة تعاني من خلل واضح في البنية الفنية، مما يحدّ من أثرها الأدبي ويجعلها أقرب إلى البيان منها إلى الفن القصصي المتكامل.

تدور القصص، البالغ عددها أربعًا وعشرين قصة، حول حالات إنسانية مسحوقة، لأبطال مهمشين، مسلوبي الإرادة، لا يملكون إلا الحلم أو الانكسار. عناوين مثل: نحيب الرجل الحجري، جمر بارد، فراشات النار، وخيبة سقراط، توحي جميعها بمناخ تشاؤمي مسكون بالتوتر والغضب. يختار العبيدي أن يجعل (المقموع) رمزًا عامًا، فلا يقتصر على السجين السياسي أو المعارض، بل يمتد إلى المواطن العادي، والطفل، والمرأة، وحتى الفكرة.

الكاتب لا يخلو من حس لغوي واضح، وتنبض بعض المقاطع بحس شاعري داخلي. من ذلك مثلاً قوله:
(في الوقت الذي ضغط على بطنه ليكتم صرخاته، التي صارت قرقرقات فاضحة…)
(من قصتة في الصفحة 8 من المجموعة بعنوان على الرصيف ).

لكن هذا الحس سرعان ما يُضعف بسبب نزعة مباشرة وتقريرية تطغى على مجمل النصوص، حيث تتحول القصة إلى أداة لنقل موقف أخلاقي أو سياسي، لا إلى مساحة للتأمل الجمالي أو الإدهاش السردي. فالقارئ يجد نفسه أمام شخصيات تردد مواقف، لا تعيش تحولات داخلية، وأحداث تسير بخط مستقيم، دون مفاجآت فنية أو تعقيد درامي.

تفتقر كثير من القصص إلى الحبكة المحكمة، إذ تبدأ وتنتهي ضمن مسار خطابي واضح، لا يتحول ولا يتطور. قصة مثل (ضحك كالبكاء) الصفحة 73، تبدأ بإيقاع تعبيري عالٍ، لكنها تنتهي بطريقة مكررة، لا تقدم جديدًا. كما أن بعض القصص تعاني من غياب الذروة، فتبدو أقرب إلى مقاطع سريعة أو مشاهد مفصولة عن سياق أوسع. يُلاحظ كذلك اعتماد الكاتب على النهاية المباشرة، التي تُنهي الحكاية بجملة صادمة أو خلاصة فكرية، وهو أسلوب يضر بالبناء القصصي أكثر مما يخدمه.

في معظم قصص المجموعة، نجد الشخصيات أحادية البُعد، تختزل غالبًا في (المظلوم أو المقهور) ، دون أن تحمل ملامح نفسية واضحة أو سيرة ذاتية تجعل منها كيانًا متكاملًا. فالبطل في (نخلة واشنطن) في الصفحة 39 من المجموعة، لا نعرف عنه شيئًا سوى أنه هارب أو مختبئ، والبطل في (خيبة سقراط) صفحة 46, هو ظلّ في حضرة فكرة مهزومة، هذا التجريد جعل الشخصيات أقرب إلى رموز نظرية لا كائنات حية تتحرك في فضاء سردي.

من الواضح أن العبيدي يمتلك رؤية نقدية عميقة تجاه المجتمع والسلطة والعلاقة بين الإنسان وقدره، لكن الإشكالية تكمن في أن هذه الرؤية لم تُترجم دائمًا إلى تجارب قصصية مكتملة. لقد كتب العبيدي( عن المقموع) ، لكنه لم يكتب (بصوت) المقموع، وهذا الفارق جوهري،فالقصة الجيدة لا تكتفي بأن تروي الألم، بل يجب أن تجعلك تشعر به بطريقة جمالية، لا بطريقة خطابية.

(أغاني المقموع) مجموعة ناضجة من حيث الرؤية، لكنها غير ناضجة من حيث الأدوات الفنية، هي أشبه بصوت احتجاجي صادر من الأعماق، لكنه لم يجد لغته الكاملة بعد، ورغم هناتها، فإنها تظل تجربة صادقة تعبّر عن روح كاتب يحمل في داخله وجع الإنسان العراقي، وتنتظر نضجًا أسلوبيًا قادمًا قد يجعل من أعماله المستقبلية علامات فارقة في القصة العراقية الحديثة.

عبد الكريم حمزة عباس
===============

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى