كتاب وشعراء

حين يُرهق الحب صاحبه…..بقلم ربا رباعي الاردن

في حياة كثيرين، لا يكون الحب مجرد شعور عابر أو لحظة انبهار مؤقتة، بل يصبح نمط حياة، وتوجّهًا داخليًا ينبع من أعماق الروح. هناك نوع من البشر لا يعرف أن يُحبّ إلا بكامله، لا يُجيد التمثيل، ولا يُجيد الانسحاب حين تخفّ الأضواء. هؤلاء لا يُحبّون فقط في البدايات، بل يبحثون دومًا عن ما بعد البداية، عن العمق، عن الاستمرارية.

لكن ما أقسى أن يُحبّ الإنسان بصدق ولا يُقابَل بالمثل. أن يُقدّم روحه في طبق من وفاء، ولا يطلب سوى البقاء، ثم يجد نفسه وحيدًا، يراجع ذكرياته بحثًا عن لحظة فهم، أو كلمة اعتراف، أو لمحة تقدير. هذا الإرهاق النفسي الذي يصاحب المحب الحقيقي لا يأتي من فراغ، بل من تكرار الخذلان ومن علاقات بُنيت على حاجة مؤقتة، لا على رغبة في بناء مستمر.

غالبًا، من يُحب بصدق، يُصبح ملاذًا للآخرين وقت أزماتهم، ثم يُهمل حين يعودون إلى استقرارهم. ليس لأنه ضعيف، بل لأنه صادق، ولأن الصدق في زمن السرعة والسطحية أصبح عبئًا لا يتحمّله كثيرون. والمشكلة لا تكمن في قدرته على الحب، بل في من لا يملكون القدرة على استقباله أو الحفاظ عليه.

من أكثر ما يُتعب النفس أن تجد نفسك دائمًا الطرف الأصدق، الطرف الذي يُضحي أكثر، يُسامح أكثر، يُبادر أكثر. وفي كل مرة، تعود مُثقلًا بالخذلان، تكتشف أن من ظننتهم أوطانًا كانوا محطات مؤقتة.

لكن رغم كل شيء، لا بدّ أن يبقى هذا الإنسان الصادق كما هو، لا يتغيّر ليرضي من لا يعرفون قيمته. فالحبّ الصادق ليس ضعفًا، بل نُبل. وإن لم يجد من يبادله اليوم، فربما في الغد، وربما يكفي أن يبقى نقيًا في زمن التشوّه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى