
لم يكن يوم الأحد الأول من يونيو من العام ٢٠٢٥ كغيره من أيام عطلات نهاية الأسبوع في موسكو – وأظنه لن يبقي كذلك لسنوات طويلة – لما أنتهك ضجيج المسيرات الذكية الأوكرانية هدوء وسماء موسكو فجر ذلك اليوم الذي سيظل عالقاً في الذاكرة العسكرية الروسية لسنوات طويلة ،حالما أقدمت القوات الأوكرانية علي تنفيذ أجرأ عملية نوعية بإستخدام مسيراتها المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ شديد التطور ،والتي اطلقتها صوب عدد من القواعد والمطارات العسكرية الروسية مسببة الشلل والعطب التام لعدد كبير من القاذفات الإستراتيجية والطائرات الروسية الرابضة علي أراضي تلك القواعد ،في ضربة قاصمة وصفها المحللون بأنها أقوى الهجمات الجوية التي تعرضت لها روسيا عبر تاريخها الحديث ،وشبهها آخرون بتلك الهجمات الجوية الانتحارية (كاميكازي) اليابانية علي ميناء بيرل هاربر الأمريكي والتي كانت السبب الرئيسي والمباشر في خوض الولايات المتحدة الأمريكية لغمار الحرب العالمية الثانية !
■ ■ ■
الضربة العسكرية الإستخباراتية التي أُطلق عليها رمزاً “شبكة العنكبوت” والتي شنتها أوكرانيا علي روسيا فجر الأحد الماضي،خُطط لها مسبقاً علي مدار ثمانية عشر شهراً بحسب تصريحات الجانب الأوكراني ،وجاءت نتائجها قياسية وقاسية للغاية وغير متوقعة علي الإطلاق وبخاصةً من الجانب الروسي ،سيما في غمار الحديث خلال الفترة الماضية عن حراك حثيث للدفع بالجانبين الأوكراني والروسي للجلوس إلي طاولة المفاوضات في محاولة لنزع فتيل الحرب الدائرة والتوصل لحلول دبلوماسية لإنهاء الصراع .
الهجمات نفذتها القوات الأوكرانية بالمسيرات الذكية التي يتم التحكم بها عن بعد ،والتي أدخلتها أوكرانيا برياً وخفيةً عن الانظار إلي داخل لأراضي الروسية عبر شاحنات أقلت هذه المسيرات المتطورة والمزودة بنظام رؤية الشخص الأول (FPV) تحت ستار من الأسطح الآلية التي نصبت أعلى تلك الشاحنات ،لتنطلق مجموعات المسيرات حال وصولها للنقاط المحددة معتمدة علي أحدث التقنيات المدمجة بالذكاء الاصطناعي وبإشراف مباشر من الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلنسكي مستهدفة عدد من القواعد الجوية الروسية والمطارات العسكرية بغية إخراج أكبر قدر ممكن من الطائرات الروسية الإستراتيجية من الخدمة ،والتي كانت تستخدمها موسكو في قصف الأراضي الاوكرانية بهدف تكبيد الجانب الروسي خسائر استراتيجية فادحة ،وهو ماتحقق للجانب الأوكراني علي أرض الواقع بعدما تم الكشف عن قصف ٤١ طائرة وقاذفة استراتيجية روسية على أراضي القواعد والمطارات الروسية المستهدفة منها قاذفات نووية مثل Tu-95 و Tu-22M3 ،والتي تعتمد عليها روسيا فى قصف المدن الأوكرانية عن بعد يصل إلي مئات الكيلو مترات ،كما دمروا طائرات الإنذار المبكر A-50 محققة خسائر حسب التقديرات المبدئية بلغت اكثر من 7 مليارات دولار فى بضع دقائق هي زمن الهجوم الفعلي !.
■ ■ ■
الهجوم الخاطف على المطارات والقواعد الروسية الذي تبنته الحكومة الأوكرانية وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موقف صعب ،بعدما تقلصت الخيارات لديه إلي الصفر ولا تعنينا هنا تواتر التصريحات (غير المؤكدة) لبوتين والتي وصف فيها نظيره الأوكراني فولاديمير زيلينسكي بأنه “مهرج أحمق” ، لأن مايعنينا هو اعتراف أوكرانيا بالهجوم على القاذفات الاستراتيجية الروسية ،مايعطى لروسيا الحق في شن هجوم وشيك علي أوكرانيا دون شفقة أو إنتظار ملامة دولية ،بعدما سمحت أوكرانيا لنفسها بتجاوز كل الخطوط الحمراء ،واستباحت مسيراتها آخر قلاع الكرامة للدب الروسي بصورة قد تلوي عنق مستقبل النزاع الدائر لمنحي خطير ،سواء بتغيير إستراتيجية النزاع وتأثيرات ذلك على المدنيين في أوكرانيا ،أو علي أقل تقدير قد نجد تصعيداً عسكرياً غير تقليدي من الجانب الروسي رداً علي ماتم جرحه من كبرياء للعقيدة العسكرية الروسية ،ليجد العالم نفسه (حال وقوع الرد الروسي الوشيك) في أزمة حقيقية ،بعدما كان يترقب في أهتمام أخبار موعد جلسات قريبه بين الجانبين من المباحثات السياسية في أسطنبول ،لينتظر الآن نوعية الرد القادم من قِبَل الدب الروسي علي هذه المفاجأة الأوكرانية الغير متوقعة والتي نالت بلا شك من كبرياء الدب الروسي بشكل كبير ، ماذا سيحدث ؟؟ .. هذا ما سوف تخبرنا عنه قادم الأيام .