بيضة نووية….بقلم نعمان رزوق

استيقظت صباحاً على صوت جارتي تصرخ في ابنتها لأن البيضة سقطت منها و انكسرت ، تصرخ بشدة و كأن البيضة كانت الخيط الأخير الذي يربطها بالحياة .
لم آخذ الأمر بجدية أول الأمر ، لكن بعدها بلحظات ، و أنا أحتسي قهوة الصباح ، فكرت : ( لماذا لا أشتري لها بيضة ؟ بيضة واحدة قد تغيّر صباح أحدهم و تحل له مشكلته ) .
ارتديت ملابسي ، و خرجت بنية نبيلة . ذهبت إلى الدكان القريب ، لكن صاحب المحل قال لي :
( و الله ما بقا في بيض ، راحت الكمية من مبارح ، في نقص عنا بالمحل متل مو شايف ) .
سألته : كل البيض ؟
قال : حتى اللي تحت الطاولة ، أخدوه . بعتذر منك ! .
تابعت بحثي ، من محلٍ إلى محل ، و الكل يقول لي بنبرة ذات الجواب .. و كأنني أسأل عن سلاح نووي : ” بيض؟! هلق ؟! ”
بدأت أشعر أنني في مهمة كونية .
و في الطريق ، رأيت بائعاً على دراجة يبيع علب بيض .
هرعت إليه ، ..
قلت له و الدمعة ترغرع في عيني من شدة الفرح :
” بيض ! الحمد لله ! بيضة واحدة لو سمحت .”
قال لي : أخي هدول مخصصين للزبائن الثابتين ..و ما فيني إعطيك منن ، .
قلت له : و أنا ..أنا ثابت و حياتك ، ثابت في إصراري ، و نيتي طيبة ، و قلبي أبيض كالبيضة !
ضحك البائع ، و أعطاني بيضة حملتها كأنها طفل مولود ..، شعرت أنني أحقق شيئاً عظيماً .
في طريقي للعودة ، مررت بجانب عجوز كان يجلس على الرصيف و هو يقول :
( الله لا يوفّق اللي سرق فردة جراباتي .. يلعن حظي .. يلعن حظي )
تأثرت . أخرجت البيضة من الكيس ، و قدمتها له كعزاء رمزي . قال :
” شو بدي أعمل ببيضة ؟ إلبسها بإجري ؟! ”
و أعطاها لي مجدداً . لكن يدي كانت ترتجف من شدّة المشاعر ، فسقطت البيضة .. و انكسرت .
جلست على حجر وسط الشارع الترابي .. يملؤني الشعور بالخسارة ، فكرت أنني لم أعد أهلاً لهذه المهمة .
لكنني لم أستسلم . ذهبت مجدداً بحثاً عن البيض ، و بعد جهد جهيد ، وجدت بائعاً يخبئ بعض البيض في كيس أسود خلف قطرميز المخلل . أقنعته ببيعي ببيضة فاستجاب البائع و لكن بثمنٍ باهظ ،
وعدت إلى المنزل أخيراً .
طرقت باب جارتي ، و قلت لها :
” هاي ، جبتلك بيضة ”
نظرت إليّ نظرة غريبة و قالت:
” مين حضرتك؟ ”
قلت : ” أنا جارك .. اللي بالبيت المقابل ..، البيضة اللي بنتك كسرتها الصبح ؟ ”
قالت : ” ما عندي بنات يا دبّ .. بعدين أنا كنت مسافرة من أسبوع و هلق جيت ” ،
و قفلت الباب بشدة في وجهي حتى كاد أنفي يطير من مكانه .
وقفت في مكاني مثل تمثال بيضويّ ، لا أعرف إن كنت أنا المجنون ، أم أن العالم يعمل بنظام بيضٍ فاسد .
و فجأة ، طلع صوت وراي من الشباك :
” ولااااا …. رجّع البيضة يا حرامي !! ”
استدرت مذعوراً ،
فرأيت العجوز نفسه ، واقفاً بالبجامة ،
رافعاً فردة الجراب مثل علَم النصر ،
و يصرخ :
” البيضة إلي .. و المرة كمان !!”
فركضت و ركضت
و حتى الآن .. لا أعرفُ ما جرى .