رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب :الحوثي والكرسي الفارغ: عندما يفضح الغائب مَن حضر

في مهرجان التشاور السياسي الشهير – الذي شُوّش عليه إعلاميًا بأنه مؤتمر “مصيري” لمستقبل اليمن – اجتمع فيه ممثلو السلطات السابقة، والأحزاب المجهولة، و”رجال المرحلة”، على طاولة مستديرة لا تعرف من الذي جلس أولًا، ولا من الذي بادر بالتصفيق.
لكن الحقيقة؟ أهم ما في هذا المؤتمر لم يكن ما قيل فيه، بل من لم يأتِ إليه: الحوثي.
الرجل – أو الجماعة، سمّه كما شئت – لم يحضر ولم يعتذر. فقط جلس في صعدة، تابع المشهد على الشاشة، وربما قال في نفسه:
“هل أشارك في توزيع الهِبة، وأنا صاحب دفتر الشيكات؟”
هل كان يعلم مسبقًا بطبيعة المؤتمر؟
بالطبع، وأي عاقل مكانه كان سيفعل المثل.
الحوثي لم يحتج لتقارير سرية أو تسريبات واتساب ليعرف أن “مؤتمر الرياض” ليس سوى مهرجان هبات سياسية. مهرجان يحضره الجميع من أجل الهِبة، لا من أجل اليمن، ويتشاور فيه من لا يملك الأرض، بينما يُستبعد من يفرض نفسه فوقها بالسلاح والمواقف.
بعبارة أوضح: المؤتمر لم يكن للتشاور، بل للتشاطر.
غياب الحوثي: مقاطعة أم مناورة؟
الحوثي غاب ليس لأنه خارج المعادلة، بل لأنه قرأ المعادلة أسرع من الجميع.
فهو يعرف تمامًا أن الجالسين في القاعة لا يمثلون “قاعدة الأرض”، بل يمثلون “سقف الطموحات البنكية”.
هم يعرفون تمامًا أن الحوثي لن يقبل أن يكون جزءًا من ديكور اتفاق لم يُستشر فيه، فاختاروا تجاهله بصمت، واختار هو أن يفضحهم بصمته.
الحاضرون: من حضر من أجل اليمن، ومن حضر من أجل “اليَمننة”
من دخل القاعة، لم يدخل بنية حل الأزمة، بل بنية توزيع مكافأة نهاية الخدمة.
البعض دخل كممثل لحزب ميت سريريًا، والبعض الآخر كمعارض يبحث عن حقيبة، وآخرون كرموز ثورية أصبحت تنتظر “بدل انتقال” أكثر من انتظارها للتحوّل الديمقراطي.
كواليس الكومبارس ٢٠٢٢ كانت واضحة: أغلب الحضور جُمعوا للحشد، لا للمشاركة. حضروا لأداء دور صامت في مسرحية سياسية مرتبة سلفًا، دون علم حقيقي بما يُحاك خلف الستار. تفاجؤوا بالقرارات مثل باقي الشعب اليمني الذي لم يُدعَ، ولم يُستشر.
الحوثي رأى المسرح، ولم يُعجبه السيناريو، فرفض الدخول. فهل نلومه؟
عندما تكون الغنيمة أهم من الغاية
السؤال الحقيقي ليس لماذا غاب الحوثي، بل لماذا حضر الباقون؟
هل حضروا للتفاوض، أم للحجز المسبق على “الهِبة الملكية”؟
وهل التشاور كان حول شكل الدولة، أم حول توزيع مقدّراتها المتبقية؟
والأهم: كيف يُدار “مستقبل اليمن” بدون دعوة للحوثي، وهو اللاعب الوحيد الذي لا يُمكن عزله عسكريًا ولا تهميشه سياسيًا؟
خلاصة المشهد: الهيبة لا تُصنع بالكاميرا
الحوثي غاب لأنه لا يحب الحفلات التنكرية.
غاب لأنه عرف أن “المسرح السياسي” خُطط له خارج النص، وأن الحضور جاءوا متأخرين حتى على الكومبارس.
وفي كواليس الكومبارس ٢٠٢٢، بدا الغائب أكثر وعيًا من الحاضرين، وأكثر حضورًا من كل من جلس على الكراسي.
لكنه لم يغِب كمنسحب… بل كمن يفرض شروطه بصمته.
صنع من الكرسي الفارغ هيبة، ومن الغياب ورقة ضغط. وهو اليوم يُفاوض من موقع قوة، بعدما فرض على خصومه — وحتى على دول الخليج — أن يُعيدوا حساباتهم.
والدليل؟ توقيع الأطراف الثمانية على بند “رفض الحسم العسكري” والالتزام بالحل السياسي، وهو بند لم يكن ليظهر لولا أن الحوثي نجح في تغيير قواعد اللعبة.
الحوثي لم يرفض المشاركة في الحوار… بل رفض المشاركة في المهزلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى