د.فيروز الولي تكتب :مؤتمر الكومبارس الكبير: حين اجتمعوا من أجل “الهبة” لا من أجل الوطن

في مشهد لا ينقصه سوى مخرج سينمائي محترف، انعقد مؤتمر٣٠٢٢ قيل إنه “تشاوري من أجل اليمن”، فإذا به يتحول إلى عرض مسرحي من إنتاج فخم وتمثيل رديء. اجتمع القوم، لا لتدارس مستقبل وطن ممزق، بل من أجل “الهبة الملكية”، إقامة لعام، ومئة ألف ريال سعودي لمن يملك جوازًا ونَفَسًا طويلًا في الاصطفاف.
لم يكن الأمر صعبًا. كلٌ أحضر أهله وصحبه وأبناء منطقته – لا لغيرته على اليمن، بل لحبه للامتيازات. في مشهد أقرب لحفل زفاف شعبي منه إلى مؤتمر سياسي، توافد الرجال والنساء إلى القاعة وكأننا في موسم توزيع الجوائز، لا في لحظة مصيرية من تاريخ البلاد.
قاعة المؤتمر كانت تشعّ دفئًا… لا دفء الحوار، بل دفء العناق بين أقارب لم يروا بعضهم منذ الوليمة الأخيرة.
أما النساء، فكان لهن دور مركزي في هذا العمل الدرامي. من استلام المكافأة إلى التوجه مباشرة نحو أسواق الذهب بالرياض، وكأن الوطن استُعيد من براثن الحرب عبر المجوهرات والخصومات الموسمية. الطوابير التي شهدتها قاعة الدخول لم تكن أقل إثارة من تلك التي نراها أمام الكافيهات العصرية، بانتظار عرض “موسم الرياض”، إلا أن هذا العرض كان بعنوان: “تعال ووقع، وخذ ما تيسر من الفتات”.
ثم جاءت اللحظة الحاسمة في القاعة المغلقة. فجأة، وبلمسة سحرية، تم استبعاد هادي وتعيين رشاد، مع ظهور مجموعة من الشخصيات تُعرف الآن بـ”السبعة المدهشين”. لا ندري من أدهشهم، ولا ما هو المدهش أصلًا، لكنهم كانوا هناك، يلوّحون ويبتسمون، كما يليق بأبطال مشهد النهاية في أي عمل تلفزيوني لا يهمه منطق أو مصداقية.
خرجوا بعدها بمؤتمر صحفي، وسط حضور إعلامي كثيف، ليعلنوا – بكل وقار ساخر – أن المتظاهرين قد توصلوا إلى هذه القرارات. لم يزعج أحد نفسه بسؤال: متى ناقشتم؟ متى اختلفتم؟ من صوت؟ من اعترض؟ الجواب بسيط: لقد اتُّخذ القرار مسبقًا، وما على الحضور إلا التصفيق والبصم والمباركة.
هكذا تحولت المشاورات إلى مشاوير، والمؤتمر إلى مهرجان، والتعيينات إلى مزحة سوداء لا يفهمها إلا المواطن الغارق في الوجع.
أما اليمن، فكانت الغائب الأكبر. ذُكر اسمها على استحياء، كما يُذكر الميت في العزاء الطويل. لا أحد بكى عليها حقًا، فالكل منشغل بمكافأته، ومكان إقامته، وصورته التذكارية على منصة الكاميرات.
وفي النهاية، انتهى العرض المسرحي المضحك حتى الثمالة، وضحك العالم – لا معنا بل علينا. أما اليمن، فقد ضاعت في زحمة التصفيق والتعيين، وما نراه اليوم خير دليل على أن المسرحية لم تنتهِ بعد… بل بدأت للتو.