رؤي ومقالات

جمزه الحسن يكتب :عندما تكون الحياة حفلة أقنعة

ـــــــــــــ خجلتُ من نَفسي عِندما أدركتُ، أنّ الحياة حفلةٌ تنكَرية، وأنا حضرتُها بوجهي الحقيقي. – فرانس كافكا.
في الوقت الذي تنشغل صحف ومراكز ابحاث ومؤسسات علمية وثقافية في تحليل الاحداث الكبيرة واتجاهات المستقبل،
لكن العنوان الرئيس في صفحات التواصل ــ العراقية والعربية هو
كلمات كــــ” مؤامرة، مسرحية، لعبة ” وانكشفت لمحلل عبقري ولا حاجة للبحث عن السبب لان هذا الصنف مع العجز الفكري قضى حياته في مسرح تمثيل ولعب ادوار وفي تآمر وتلاعب بالاخرين حتى اعتقد ان كل ما في الحياة هو لعبة ومسرحية ومؤامرة .
ليس المهم العنوان بل الغاية ولتكن ـــــــــــ بدل المؤامرة ـــــــــــ صراع مصالح دول او تنافس على مواقع او ثروات او البحث عن اسواق والخ.
من الغريب ان العقل التبسيطي التقليدي لا يتحدث عن مؤامرة عندما تكون هناك مؤامرة فعلاً، حتى لو حرقته نيرانها مع انه يغرق في تفاصيلها اليومية وفي حياته الخاصة يدري او لا يدري في ازمة الكهرباء وهي أزمة سياسية لضرب المستقبل لأن الكهرباء ليست اضاءة وتدفئة بل الجامعة والمدرسة والمصانع ومراكز البحث العلمي والتواصل مع العالم واوقات الفراغ والقراءة والمزاج وغيرها، وفقدان الامن وانهيار العدالة والخوف من المستقبل وفوضى السلاح ومدارس مهملة ومناهج متخلفة ونفايات شوارع وعصابات سرقة نفط وثروة أجيال وقيم اخلاقية تسحق وتتحطم في السر والعلن.
كل هذا ليس مؤامرة ـــــــــــ أو مخطط إجرامي لتدمير شعب واحلال آخر ــــــــــ من وجهة نظر عقل ملقن غوغائي.
من عاش في حقل يتخيل العالم حديقة ومن عاش في اسطبل خيول يرى العالم من خلال حنديرة ــــــــــــ غطاء جلدي على عيون الخيل لكي ترى الامام فقط ــــ ومن عاش في قناع يتخيل الحياة حفلة تنكرية ولا يملك صورة ذاتية عن نفسه ولا يعول عليه في معرفة نفسه ويبحث عنها في اطراء ومدح الاخرين وفي صراع مع صورته المزيفة كحيوان يتشاجر مع صورته في المرآة لانه لا يملك صورة ذاتية.
أما من قضى حياته في لعب ادوار واستعارة وجوه واقنعة ولغة وشخصية تناسب كل شخص ومناسبة، فيتخيل الناس جمهور متفرجين في سيرك او في مسرح لان الحياة الحقيقية ملغاة.
كل انسان يرى الحياة من الجانب الخفي فيه، لا كما هو بل كما يتصوره ، أي في الحقيقة لا يرى شيئاً عدا السراب الذي يصبح واقعاً والواقع الذي يصبح سراباً.
يستطيع مكتشفو السراب في لحظة تحويل اللبن الى كرزات وتحويل المرق الى غابة وتحويل القصب الى ملاعق وكما يقول المثل العراقي:
” يسوّي الشط مرك والزور ، القصب، خواشيك، ملاعق”،
وتحويل أي حرب الى تبادل قباقيب ــــــــــــ شحاطة من الخشب ـــــــــ في حمام نسوان للتسلية.
لا شيء حقيقيا في حياة هؤلاء أبداً والحقيقي الوحيد هو الكذب القهري التسلطي المرضي Pathological Lying وهو يختلف عن الكذب العادي لان المصاب فاقد السيطرة ويعرف انه يكذب لكنه لا يستطيع ان يتوقف وكل كذبة تفرخ عشرات الاكاذيب يُسمى الميثومانيا Methomnia وهو هوس غير مسيطر عليه ويحافظ هذا الصنف على المظاهر الخارجية سليمة من خلال الاقنعة والتمثيل. حسب نيتشه:” ما من أحد يرتكب الكذب، إلاّ إذا تكلم ضد ضميره”.
الروائي الياباني هاروكي ماروكامي تعرض له في روايته الشهيرة” الغابة النرويجية” ومن خلاله تعرفت لاول مرة على مفهوم الميثومانيا او الكذبة المنتجة لعشرات الاكاذيب الفورية والتلقائية ويتباهى هؤلاء بعبارة: قلب الطاولة، وفي الحقيقة هم لا يقلبون شيئاً سوى خراب حياتهم في تزييف أبدي وضحك على الذات وحسب علماء النفس وتشريح الدماغ والفحوصات المجهرية الحديثة ان هؤلاء كل لحظة يدمرون في كل كذبة جزءاً حياّ فيهم حتى يصبحوا يوما انقاضاً ومخزن أمراض بسبب استنزاف طويل وتآكل جسدي ونفسي بطيء وصامت دون وعي السبب .
يكذبون كما يتنفسون حتى لو كان الصدق يوفر لهم فوائد أفضل وعجز تام عن حياة حقيقية طبيعية كعجز الفيلة عن الطيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى