فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :الكرامة بين القصف والمناشدة:

كيف يتآكل الدور السيادي للدولة تحت الضربات الإسرائيلية؟

في صباح 16 يوليو 2025، شنت إسرائيل واحدة من أجرأ غاراتها على العاصمة السورية دمشق منذ سنوات.
المواقع المستهدفة لم تكن “مخازن أسلحة” تقليدية في محيط الكسوة أو ريف حمص كما اعتادت تل أبيب، بل كانت هذه المرة في قلب السيادة:
مبنى هيئة الأركان العامة، مركز القيادة العليا للنظام،
وموقع حساس قرب قصر الشعب، المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية.
تسبب القصف في سقوط ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، بحسب وزارة الصحة السورية، كما اهتزت صورة العاصمة أمام سكانها، الذين باتوا يسمعون صوت الانفجارات من نوافذ منازلهم، لا من نشرات الأخبار فقط.

مشهد مكرر… برد فعل متآكل
الغارات ليست جديدة، لكن ما يتغير في كل مرة هو نوع الرد الرسمي أو بالأحرى، حجمه المتقلص.
في السابق، كانت العبارة المحفوظة هي: “نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين”.
أما الآن، فلم تُذكر حتى تلك الصيغة. اكتفى البيان السوري بالدعوة إلى “تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته”، و”وقف الاعتداءات”.
اللغة الرسمية إذًا، لا تشير إلى نية الرد، ولا حتى التهديد به. بل إنها باتت أقرب إلى خطاب الاستجداء السياسي، في وقت تعيش فيه سوريا مشهدًا معقدًا أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
السويداء تحترق… وإسرائيل تتدخّل
في الخلفية، كانت محافظة السويداء تشهد مواجهات دامية بين مسلحين دروز وعناصر أمنية ومليشيات محلية.
الاشتباكات التي اندلعت في عطلة نهاية الأسبوع أسفرت عن أكثر من 240 قتيلًا وجريحًا، ما بين مدنيين وعناصر من الطرفين، وسط اتهامات موجهة للسلطات باستخدام العنف المفرط بحق الدروز.
في هذا السياق، برّرت إسرائيل غاراتها بأنها تهدف إلى منع تنسيق عمليات ضد الدروز، و”إرسال رسالة واضحة للنظام”، بأن ما يحدث في الجنوب لن يُترك دون رد.
هكذا، بدا المشهد كأنّ إسرائيل تمنح نفسها شرعية فوق وطنية، لتدافع وفق خطابها – عن طائفة داخل حدود دولة أخرى، في تجاهل كامل لسيادة الدولة السورية.
السيادة المستباحة: الدولة من الداخل بلا حلفاء… ومن الخارج بلا غطاء
هذا التدخل المباشر، المتكرر، والذي بات يصل إلى مداخل القصر الرئاسي، يكشف حجم الانكشاف السوري إقليميًا:
الخليج لا يقدّم دعمًا إلا مشروطًا سياسيًا، وغير معني بأي مواجهة مع إسرائيل.
تركيا تراقب وتوازن، وتحفظ قنواتها مع تل أبيب وواشنطن، ولا تبني تحالفًا حقيقيًا مع دمشق.
إيران موجودة عسكريًا، لكنها أصبحت هدفًا مشتركًا للغارات، ووجودها بات عبئًا ميدانيًا في بعض الجبهات.
أما روسيا، فمشغولة بحربها الطويلة في أوكرانيا، وغير راغبة في الدخول بمواجهة مباشرة لحماية السماء السورية.
حين يتحول الرد إلى بند في بريد الأمم المتحدة
السؤال اليوم لم يعد: لماذا لا ترد دمشق؟
بل: هل لا تزال ترى في الرد خيارًا مشروعًا؟
إن الاكتفاء بمخاطبة “المجتمع الدولي”، في ظل ضربات تطال قلب العاصمة، يُعد إعلانًا ضمنيًا عن انسحاب الدولة من دورها السيادي في الردع والدفاع.
من موقع هيئة الأركان إلى مداخل قصر الشعب، ومن جبال السويداء إلى سماء الكسوة، يبدو أن السيادة أصبحت حدودًا رمزية فقط، وأن الكرامة الوطنية تُدار عبر البيانات، لا عبر القرار.

خاتمة: ما تبقّى من الدولة… سؤال مفتوح
الكرامة الوطنية لا تُقاس بالعتاد وحده، بل بالإرادة.
وما يتكشّف من هذا المشهد هو غياب الإرادة، وتآكل القدرة، وازدياد القناعة الرسمية بأن الرد بات عبئًا سياسيًا أكثر منه أداة للدفاع.
إن الضربات الإسرائيلية، المتكررة والمعلنة، لم تعد تخترق فقط سماء دمشق، بل تكشف هشاشة سردية الدولة وقدرتها على تمثيل ذاتها أمام شعبها.
وإذا كانت الدولة لا ترد، ولا تملك تحالفًا قادرًا على الرد، ولا خطابًا قادرًا على الإقناع…
فما الذي تبقّى من الدولة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى