د. فيروز الولي تكتب :من أي ماءٍ عَجَنوكُم؟!

في بلد اسمه اليمن – أو ما تبقى من اسمه – تجري الأمور بعقلية “اللي يلحق اللقمة”، أما الدولة؟ فهي في إجازة مفتوحة منذ سنوات، والقيادات؟ فقد انقسمت بين فندق في الرياض، وسهرة على نهر النيل، ومؤتمر في أنقرة، وعزومة غداء في أبو ظبي.
الحوثي، وهو ما يشبه نسخة معادة من فيلم “المنقذ الذي لم يُنقِذ”، دمر صنعاء والجديدة، ثم وقف يقول: “هذا نصر من الله”.
الانتقالي، الذي قرر أن الجنوب لا بد أن يكون جنوبًا خالصًا، حتى لو احترق، حول عدن إلى ساحة عبث تجريبي: ميناء؟ ننهبه. كهرباء؟ نقطعها. شعب؟ نخوّنه.
الإخوان، أصحاب مشروع “خلافة مأرب”، زرعوا تعز بشعارات الفضيلة، ولكنهم حصدوا فقط خرابًا وشعارات فارغة.
أما السعودية والإمارات، فهما مثل أخوين اختلفا على توزيع بيت جارهم المهدوم: واحد يريد “السطح”، والثاني طامع في البدروم، بينما البيت – اليمن – يتهاوى والجيران (الشعب) نازحين في العراء.
وهنا الغرابة: مليارات تتدفق! ولكنها تسلك طرقًا عجيبة… تنزل على الفنادق الفخمة، ومراكز الدراسات الوهمية، وأرصدة “القيادات المتعلمة من يوتيوب”. أما المواطن؟ فعنده علبة سردين، وشمعة إن لم تنتهِ، انتهى هو.
كهرباء؟ من الأحلام.
ماء؟ أمنية.
رواتب؟ نكتة بايخة.
تعليم؟ للقيادات فقط (في مدارس أولادهم في الخارج).
الصحة؟ نحن بخير، قالوا… إلى أن تموت.
يا هؤلاء، من أي ماءٍ عجنوكم؟
هل أنتم خلاصة نكبات الشرق الأوسط؟ أم أنكم تجسيد حيّ لمقولة: “الفساد فنٌ، وأنتم عباقرته؟”
من علّمكم كيف تُنهب الأوطان وتُبنى في الوقت نفسه منصات للمزايدة الوطنية؟ من قال لكم إن إعمار الحارة يبدأ من تدمير المدينة؟
بل من أعطاكم الإذن أن تجعلوا من اليمن مسرحًا؟ كلٌ يأتي بدوره: هذا يلعب دور البطل، وذاك يؤدي دور الثائر، والآخر يتقن دور الضحية… أما الجمهور – الشعب – فصار هو الضحية الحقيقية، يصفق أحيانًا، ويبكي كثيرًا، ويموت دائمًا.
أيها المتعلمون في المدارس الدولية، النائمون في فنادق الخمس نجوم، الشاربون قهوة “لاتيه” بينما أطفالنا يشربون ماء الصرف الصحي…
إن الوطن لا يُبنى على جثث النازحين، ولا بالإعمار فوق الأنقاض دون وقف القصف، ولا بشعارات فارغة تُسكب عبر شاشات “الزووم”.
فكفاكم من “ماء العجن” ذاك… لأنه ببساطة، عجن طين الفساد، وخبز الجوع، وكعك النفاق السياسي.