فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :سوريا الجديدة: بين عواصف الخارج وأوهام الداخل

منذ انهيار النظام السوري السابق في 8 ديسمبر الماضي، دخلت سوريا مرحلة جديدة محفوفة بالتحديات والتدخلات، لم تكن أقل تعقيدًا من سنوات الحرب. النظام الجديد، بقيادة أحمد الشرع، حاول أن يُقدّم نفسه كبديل وطني يحظى بقبول شعبي ودعم إقليمي، لكن سرعان ما بدأ الواقع يفرض منطقه القاسي، وسط تداخل اللاعبين الدوليين والإقليميين وتزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
على الأرض، بات واضحًا أن هذا النظام الوليد يتجه نحو اصطفافات إقليمية تُعيد رسم خريطة التحالفات. فبدلًا من السير في مسار استقلالي حقيقي، اتجهت السلطة الجديدة إلى إرضاء قوى إقليمية فاعلة، على رأسها تركيا وبعض دول الخليج، في وقتٍ اتسم فيه موقفها من إسرائيل بالانبطاح السياسي غير المسبوق، وهو ما انعكس في صمتها حيال الضربات الجوية المتكررة التي طالت العمق السوري، وبلغت حدّ المسّ بالسيادة الوطنية في وضح النهار.
من السويداء، حيث يشتعل التوتر بصمت، إلى درعا التي لم تخمد نارها تمامًا، مرورًا بالشمال السوري الممزق بين القوى الدولية والميليشيات، تبدو سوريا اليوم وكأنها مقسّمة تحت غطاء “الدولة الواحدة”. السويداء تحديدًا تحولت إلى بؤرة احتجاج مدني تقوده مطالبات بحقوق سياسية واجتماعية مشروعة، يرفعها دروز سوريا الذين رفضوا الخضوع لأي شكل من أشكال الاستلاب أو الإقصاء، وهم بذلك يرسلون رسالة واضحة: لا شرعية لأي سلطة لا تحتكم إلى تعاقد وطني شامل.
وسط هذا المشهد، برزت أقلام عربية، بعضها محسوب على التيارات “الإسلامية” أو متماهٍ مع الخطاب التركي، تسوّق لهذا النظام الجديد كأنما هو تجلٍّ للعدالة المنتظرة، أو مرحلة “تحرّر” بعد سنوات القمع. لكن تلك الكتابات، التي تنشرها مواقع ممولة أو موجهة سياسيًا، تفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية والنزاهة في تقييم الواقع، فتتجاهل القمع المستمر، والتبعية العميقة للنفوذ التركي والخليجي، ناهيك عن الصمت المريب تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والتي لم تجد حتى الآن ردًا يُعبّر عن كرامة وطنية أو قرار سيادي.
إن ما يجري في دمشق الجديدة ليس ثورة مضادة بالمعنى التقليدي، بل “ترتيب جيوسياسي” جديد، تُراد منه إعادة إنتاج سوريا كدولة تابعة، لا فاعلة، في محيطها. ومهما تعددت شعارات “المرحلة الانتقالية” و”الوطن الجامع”، فإن التناقض بين الخطاب والممارسة، وبين المأمول والممكن، يكشف أن الطريق إلى الاستقلال الحقيقي ما زال طويلاً، وأن إرادة الشعب وحدها هي من تستطيع حسم هذا الصراع، حين تستعيد أدواتها وتُسقِط الأقنعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى