كتاب وشعراء

امرأة من الحيَّ الشعبيَّ ….بقلم أماني الوزير

في الحيِّ الشعبيِّ الّذي يُشبِهُ عشوائيّاتِ النبضِ المُضطرب،
تبدأُ قصّتُها مع قُبلةٍ أولى،
تُشعلُ في الرّوحِ نيرانًا بعدَ صيامِ أعوامٍ منَ الصَّمتِ.
تنسكِبُ كاللّهفةِ في طيِّ اللّيل،
كأسُ خمرٍ ناعمٍ يقطُرُ دفئًا في الصُّدور،
نَهنَهةٌ خفيفةُ الظِّلِّ تخرجُ من شفتيها،
تتبعُها ضَحكةٌ ماجنةٌ، ذاتُ صدىً يملأُ الأزقّة،
يُعلِنُ عن ميلادِ قِصّةٍ، وسطَ جُدرانِ البيوتِ العتيقة.
تَمشِي كأنّها تَرسُمُ أثرَها على جفنِ اللّيل،
تُدَندِنُ لحنَ العندليبِ بصوتٍ يُلامِسُ القلب:
“الحلوة، الحلوة الحلوة الحلوة…”
شَغَلَتني بعينيها السّودا الحلوة،
كأنّها سِرٌّ من أسرارِ البحر، لا يُباحُ بهِ إلّا للغوّاصين.
أقدامُها ترقُصُ على حِجارةِ الشّوارع،
تُخفِي في عَباءتِها أسرارًا وأمانِيَ كبيرة،
صوتُها كهمساتِ الرِّيح، يُخبِرُ كلَّ دَربٍ بقدومِها،
والجيرانُ من شَبابيكِهم يُراقبونَ بعينِ الفضول،
قِصّةَ عشقٍ تُكتَبُ بينَ القهوةِ والشّموعِ، وظلالٍ لأجسادٍ مجهولةِ
الهُويّةِ تَرقُصُ بِخِفّةٍ خلفَ المَشربية.
في مَقهى الحَيِّ، المُجاوِرِ لشُرفتها، يجلِسُ رِجالُ السّهر،
يرتشفونَ قَهوَتَهم بينَ رُقَعِ الشّطرنجِ وأصابعِ الطّاولة،
عِطرُها بينَ ظِلالِهم يملأُ المكان،
يَسرِقُهم من صَمتِهم الطّويل،
يُذيبُ جليدَ السُّكونِ بحركةٍ بسيطةٍ من يدِها حينَ يَدُقُّ كَفُّها أبوابَ البيوت.
تَمشِي بينَ الجُدرانِ القديمة،
تضحكُ، تُزغردُ، تتعالى دَندَناتُها لأغاني العندليب،
تَملأُ اللّيلَ بأصواتِها،
تَسحَبُ الجميعَ من عَتمةِ الحزن،
وتزرَعُ أملًا جديدًا في عُروقِ المدينة.
هذه هي… امرأةُ الحيِّ،
تَعيشُ، تُحِبُّ، تَسقُطُ، تَقوم،
تُحاربُ الظّلامَ بابتسامةٍ،
وتَكتُبُ حياتَها على جُدرانِ الزّمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى