د. فيروز الولي تكتب :الوجوه نفسها… والمسرحية تتكرر، والجمهور يموت واقفًا

في اليمن، لا نحتاج إلى مؤرخين، بل إلى كتّاب مسرح عبثي. المسرح نفسه، الكواليس ذاتها، الممثلون لم يتغيروا إلا ببعض المكياج، أما الجمهور فإما قُتل في القصف، أو مات جوعًا، أو انتحر من القهر. وبعضهم لا يزال حيًّا، لا لشيء، إلا لأنه “مشغول بدفع الإيجار”.
رحم الله الرئيس السابق علي عبدالله صالح. نعم، نقولها بصدق. نحبّه كما نحبّ بيت الطين الذي وُلدنا فيه، رغم أنه بلا سقف. ونعترف بأنه كان ذكيًا، قارئًا بارعًا للقبائل والمصالح والألغام. لكننا اليوم، لا نبحث عن “ذكاء سياسي”، بل عن “ضمير”.
ما يؤلمنا ليس فقط غيابه، بل استمرار الشبح السياسي لعصره، متجسدًا في أبناء العمومة، و”أولاد المؤسسة”، وأصحاب الأسماء الثلاثية المطعّمة بـ”صالح”، الذين يُمارسون فنّ الانتهازية من فنادق أبوظبي وصلالة ومسقط وكأن الوطن مجرد شاشة فيسبوك يطلّون منها كل أسبوع بإطلالة “رجل دولة”.
نعم، بعضهم الآن تجار بنزين ووسطاء سلاح، يوزعون صكوك الوطنية كما توزّع شركات الغاز بونات الأسطوانات. وحين تشتعل الحرب، يتخفّون خلف نظاراتهم الشمسية ويظهرون بلهجة ديبلوماسية: “نحن نعمل بصمت من أجل الوطن”. أي وطن؟ ذاك الذي لا يعرفه أطفالكم لأنهم وُلدوا في دبي ولندن؟
خذوا مثلًا: عمار صالح. اسمه في الإعلام مرتبط دائمًا بـ”الظل”، لكنه في الواقع يدير مسرحًا لا تنقصه الأضواء. يتقن التحرك بين الملفات: القاعدة، الحوثي، التهريب، الأمن، الوساطة، وفجأة يتحول إلى “رجل المرحلة” وكأن شيئًا لم يكن. مشكلتنا مع أمثال هؤلاء ليست أنهم أذكياء، بل أنهم يعتقدون أننا أغبياء.
أما نحن، “الشعب”، فنتقاسم وجع الوطن بالتقسيط. ندفع ضريبة الكهرباء ولا نراها، نشتري الماء الملوث، نحفر آبارًا في قلوبنا، ونسكت. ليس حبًا بالصبر، بل لأن حتى الصراخ أصبح مكلفًا.
اليمن اليوم دولة “ما بعد الكرامة”. آخر قوائم العالم، في التنمية، في التعليم، في الصحة، حتى في الشرف السياسي. لا فرق بين مَن يقصف، ومن “يتفرج” على القصف من فندق خمس نجوم ويكتب تغريدة متأخرة يطالب فيها بـ”وقف العنف”.
لن ننسى أن بعض هؤلاء لم يبنوا مدرسة، لم يحفروا بئرًا، لم يتبرعوا لجرحى، لم يسألوا عن رواتب. فقط يستثمرون في دمنا، وينتظرون انتهاء الحرب ليبدأوا إعادة الإعمار… لكن بمقاولين من العائلة.
ختامًا، نقول لكل من يعتبر اليمن مجرد غنيمة مؤجلة أو مقعد في المرحلة الانتقالية: نحن لسنا مجرد جمهور في مسرحيتكم العقيمة، بل أصحاب هذا المسرح، وإن طال العرض، فالنهاية بيد من بقي حيًا ولم يصفّق بعد.