فيس وتويتر

فراج إسماعيل يكتب : آخر شاه لإيران شخصية مأخوذة من تراجيديا شكسبيرية

كأن آخر شاه لإيران شخصية مأخوذة من تراجيديا شكسبيرية: متعجرف ومهيب في الظاهر، لكنه في الداخل كان غير واثق ومتردد، نسخة فارسية من ريتشارد الثاني، يهتم بذاته حتى في لحظة سقوطه.
عندما وقف عند أسفل درج طائرته مغادرًا إيران للمرة الأخيرة في يناير 1979، والدموع تنهمر على وجنتيه والسرطان القاتل ينهش جسده من الداخل، لا بد أن أكثر القلوب قسوة شعرت بشيء من الشفقة تجاه هذا الطاغية.
لكن الأمر لم يكن كذلك. فقلب آية الله روح الله الخميني القاسي لم يحمل إلا الغضب والرغبة في الانتقام من “ملك الملوك” (اللقب الرسمي لشاه إيران- شاهنشاه).
الصحفي الأمريكي سكوت اندرسون مؤلف كتاب “ملك الملوك” الذي عرضته صحيفة الجارديان يحكي ما حدث في هذا اليوم..
“قال لي الخميني في مقابلة تلفزيونية مرعبة قبل مغادرته باريس عائدًا إلى طهران:
“هذا الرجل لا مكان له في إيران، ولا مكان له على وجه الأرض.”
وعلى متن الطائرة التي أعادته من منفى دام 15 عامًا لإسقاط نظام الشاه، تمتم الخميني قائلاً إنه لا يشعر بشيء (هيجي) عند عودته إلى الوطن. وهيجي كلمة فارسية معناها “لا شيء”. أي أن الخميني لم بشعر بفرح أو حزن، وخلا من أي مشاعر عند عودته إلى إيران.
قلة فقط من المقربين من الشاه أحبوه فعلاً. فقد خذل أصدقاءه، وتردد في قراراته، وكان يميل دائمًا لأخذ نصيحة آخر شخص تحدث معه. قال السير أنتوني بارسونز، السفير البريطاني في آخر أيام الشاه، والذي كان أقرب دبلوماسي أجنبي إليه:
“كان من الصعب محبته. كان شديد الشك، مقتنعًا بأن الجميع يتآمر ضده. ومع ذلك، كان فيه ضعف مكشوف يثير الشفقة”.
كتاب “ملك الملوك” يقدم سردًا جيدًا وجديرًا بالقراءة عن سقوط الشاه، رغم أن جزءًا من عنوانه الفرعي – “تفكيك الشرق الأوسط الحديث” – يوحي بأكثر مما يقدّمه فعلاً. لكنه يوضح بجلاء كيف كان الشاه سببًا رئيسيًا في سقوطه، بتدخله المستمر في أمور كان ينبغي أن يبتعد عنها.
بطبيعة الحال، كانت هناك أسباب أوسع للثورة الإسلامية، أبرزها موجة الفساد الجارفة التي اجتاحت إيران، لكن السبب الفوري للثورة كان قرارًا واحدًا غبيًا اتخذه بنفسه في بداية عام 1978، عندما استضاف الشاه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وزوجته روزالين في قصر نياوران بطهران. وكانت تلك آخر مرة يزور فيها رئيس أمريكي الأراضي الإيرانية.
بعد مغادرة كارتر، بساعات، أمر الشاه أحد وزرائه الكبار بنشر مقال صحفي موقّع باسم مستعار، مليء بالإيحاءات، يتهم فيه الخميني المنفي بأنه عميل بريطاني. أثار المقال بالفعل المشاكل. خرج أتباع الخميني في الحوزات الدينية في قم وغيرها إلى الشوارع في احتجاجات عنيفة، وأطلقت عليهم الشرطة والجيش النار.
حتى في الوقت الذي أصبحت فيه التظاهرات حدثًا منتظمًا ومتزايدًا، كان الخميني – الزعيم الغائب لتلك الحركة – يعيش كأنه سجين في النجف، مركز الحوزة الشيعية في العراق، الذي كان حينها تحت حكم صدام حسين. لم يكن من الممكن أن يصل الصحفيون إلى النجف أو يقابلوا الخميني؛ ومع ذلك، ومن دون سبب مقنع، مارس الشاه ضغوطًا هائلة على صدام لطرده.
صدام ستجاب وقام بطرد الخميني. وأقام في قرية “نوفل لو شاتو” قرب باريس.
يقول أندرسون: “بدأ السكان يتأقلمون مع منظر الرجل العجوز بعمامته السوداء وعباءته البنية يتنزه صباحًا في الطرق الريفية المحيطة.”
فجأة، أصبح بإمكان وسائل الإعلام العالمية الوصول إليه في أي وقت، وكل كلمة قالها كانت تُبث مباشرة إلى إيران. وبحلول نوفمبر 1978، أصبح سقوط الشاه أمرًا لا مفر منه.
أندرسون أجرى مقابلات مع عدد من الشخصيات الرئيسية، بما في ذلك الشهبانو فرح بهلوي – الشخصية التراجيدية الحقيقية – التي كانت تفهم ما كان يحدث في إيران لكنها فشلت في التأثير على زوجها كما ينبغي. ويقدّم الكتاب عرضًا شاملاً لتسلسل الأحداث.
من الشرق الأوسط إلى الحرب في أوكرانيا، لا يزال العالم يعاني من تداعيات سقوط الشاه التي لم تنتهِ بعد..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى