رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :تاريخ ولادة الضمير

اللحظة التاريخية التي ولد فيها الضمير كما يؤكد جيمس هنري عالم المصريات في كتابه: فجر الضمير ، تاريخ ولادة الضمير، هي اللحظة التي سمع فيها الصياد اول مرة همسا من داخله يؤنبه على شيء، وهذا الهمس الداخلي مستمر حتى اليوم،
وعندما لا يُسمع يعني موت الضمير ويتحول الانسان الى جيفة متنقلة ومسخ بشري بأقنعة يعاني في الداخل من كل مشاعر الدونية لكنه في الظاهر استعراضي متبجح.
وهناك من يعتبر لحظة ولادة الضمير هي تلك التي ركض فيها الانسان الاول لتضميد جراح شخص اخر .
من علامات إنقراض الأمم إرتفاع مستوى الذكاء وإنخفاض مستوى الضمير. كما قال دورنكهايم مؤرخ وفيلسوف وعالم اجتماع فرنسي.
الضمير أقدم من الحضارة والثقافة، وهو الخلاصة المركزة للقيم النظيفة والمعايير السوية، وحسب علماء تشريح الدماغ وليس فقط الحكماء
والحكمة الشعبية، يؤكدون إن الضمير مثل أي عضو آخر في الجسد كاليد والرجل والقلب، يضمر بعدم الاستعمال، اي يموت،
وعندما يموت الضمير نكون أمام مسخ بشري بل أمام خطر مؤجل ومغطى بأناقة ودهاء وتمسرح،
حتى لو كانت المظاهر الخارجية سليمة من خلال الأقنعة. كمثال: غالبية الجرائم الأخيرة في العراق من وسط قريب ، من زوجة مع عشيق أو زوج أو صديق أو زميل عمل الخ، مما يؤكد قدرة خارقة على التخفي والأقنعة ولا يتحول الانسان الى قاتل فجأة بل كان في حالة سبات في انتظار فرصة.
الضمير جزء كبير منه طبيعة وجزء ثقافة وبيئة لكن قد تتغلب الثقافة والتقاليد السائدة على الطبيعة البشرية وتخلق الضمير الميت أو المشوه لأن الضمير خلاصة مركزة للقيم والاعراف، واذا تشوهت هذه تشوه الضمير ويقوم الذكاء بالتبرير.
شعرت بالفزع قبل سنوات من دراسة منظمة دولية كما ورد في موقع “International IQ Test” بأن العراقيين حلّوا بالمركز 12 عربياً و93 عالمياً من أصل 126 دولة، بمتوسط الذكاء.
فرح كثيرون لهذه النتيجة مع أنها أخطر علامة على الانقراض، لأن الذكاء يبرر في حال انخفض تأثير أو إنعدم الضمير.
يقول جيمس هنري في كتابه” فجر الضمير” إن ولادة الضمير حدثت في بلاد النيل أي قبل خمسة آلاف سنة لذلك كانت الاهرامات ترتبط بقيم أخلاقية صافية كالخلود والوفاء والأمل والاخلاص وكان الضمير غير منفصل عن الذكاء.
هذه هي القيم نفسها في حضارة وادي الرافدين،
عشتار العراقية ربة الحب وقصائد الحب السومرية والاخلاص والتضحية،
والجنائن المعلقة في بابل رمز العشق والاخلاص الجسدي والروحي،
بناها الملك نبوخذنصر ارضاءً لزوجته إميتس، في حين تفتقد العمارة الحديثة لهذه القيم وتركز على فخامة جوفاء للابهار والمنفعة كما لو ان الناس اليوم
يعيشون في شقق أو قبور من الاسمنت بلا أي شاعرية وفي معتقلات أنيقة.
لكن أخطر ضربة وجهت للضمير هو ارتفاع نسبة الذكاء ومستوى المعرفة وانفصاله عن الضمير، وحلّ ” الذكاء النفعي” محل قيم الضمير،
وفي هذه الحالة الذكاء ” يبرر” والمعرفة تبحث عن” أبواب طوارئ” لكل الأفعال غير السوية
لذلك فالذين خربوا البشرية عبر التاريخ واليوم كانوا عباقرة وعلماء وأذكياء وخبراء لكن بلا ضمير.
من المستحيل طبياً وفكرياً ونفسياً أن يكون عديم الضمير المبتذل منصفاً وعادلاً وشريفاً في أي قضية لأن انعدام الضمير يخلق حجاباً وجداراً بين الواقع وبين الحقيقة ويعيش في حالة عمى عاطفي وعقلي لكنه نصاب محترف بالاقنعة.
حسب الفيلسوف الالماني مارتن هايدغر:
” عندما يصل الانسان الى مرحلة الابتذال، لا يعود يميز بين الحياة الحقيقيةوالوجود الزائف”.
من علامات انقراض الأمم حسب المؤرخ وعالم الاجتماع دورنكهايم:
” ارتفاع مستوى الذكاء وانخفاض مستوى الضمير”. عندما تسيطر ثقافة الحيلة والشطارة والذكاء النفعي تنقلب المعايير،
يصبح البريء غبياً والأمين ساذجاً واللص شاطراً والنصاب داهيةً.
لم يعد، مثلاُ، الحنين موضوع الثقافة الأوروبية وحتى العربية،
بل صار” الاختراع” في الواجهة لذلك كتب البير كامو في دفاتره أو يومياته:
” إختفى الحنين وحلّ الإختراع لذلك أوروبا تحتضر”.
الناس تترقب ولادة جهاز جديد للهروب من ذات خاوية مسطحة الى ضجيج وتسليات رخيصة سهلة وخبراء الاختراع يعرفون هذه الخاصية المهلكة،
لكن الحنين والنقاء الاخلاقي والتضحية والوضوح والرصانة وثبات الاحاسيس صارت حكاية قديمة وذكرى منقرضة والتعبير المبتذل عنها عبارة:
” كل شيء عادي”،
ما لم تدخل في بشاعة” العادية” تصبح من وجهة نظر هؤلاء مخلوقاً مريضاً ومختلفاً لأنك تسبح ضد التيار،
والبطل اليوم ليس المحارب بل من يبقى راسخاً ثابتاً متمسكاً بإنسانيته داخل طوفان الابتذال.
قبل هنري اكتشف الناس البسطاء موضوع موت الضمير عند عدم الاستعمال وفي الحكم الشعبية الكثير من الأقوال عن” موت الضمير”. الانسان بلا ضمير وحش بشري متنقل رغم أناقة المظهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى